ولدتُ عام 1992، وولدَتْ بعدي بأربعة أعوام ـ 1996 ـ مؤسسة قناة الجزيرة، صغر سنّي ـ نسبيًّا ـ ليس إشكالاً يهدم ويضعف ما أود قوله، بل هو العنصر الذي أقف عليه وأنطلق منّه، لأني وأبناء جيلي بكامل أعمارنا صدّقنا مصطلح "الاستقلالية" ومشتقاتها، بدأت عقولنا تعي الوجود الذي كان رموزًا غير مفهومة، ونظرتنا لما حولنا بدهشتنا من الأشياء، تزامنت مع قدوم قناة تبشّر بـ"الرأي والرأي الآخر"، حدّ لفرط انتشارها الأولي.
جميعنا يعرف جيدًا صوت الشارة الصوتية الغليظ ذاك الذي يصطنع الوقار بجملة: "الجزيرة في قطر". أنا أحب قطر كما يحبها كل مواطن عربي، وأكره الزيف كما يكرهه كل كائن بشري سليم الطبائع، فحينما دخلت "قناة الجزيرة" إلى مجالسنا وبيوتنا، قال لنا كادرها إنها تبث من قطر "جغرافيًّا"، لكنها تبث من الاستقلالية والحرية "فكريًّا".
تستند القناة ببرامجها الوثائقية وتقاريريها على متانة لغوية وقدرة أدبية فائقة تستعملها، بينما تجد اللغة التقليدية شبه الرسمية تسري في أجساد القنوات الأخرى، هذا العامل الإغرائي، إضافة إلى أنها تُعظّم من دور المجرمين الفدائيين والسياسيين، لتخلق روحًا ثورية في نفس المشاهد العربي،
كما شخصيًّا أتمنى استقطاب كتاب "سعوديين" وإقامة مشروع إعلامي؛ لأن حرب اللغة لا يجابه إلا باللغة نفسها، ضامنين بانتمائهم لنا ألا يكون حافز الكتاب الأوحد "وجه الريال وظهره"؛ لأنهم لم يأتوا من بلاد بعيدة تقع عند النيل وحيفا.
الجزيرة "قناة الحرية" مثلما تنعت نفسها، حين قُطعت العلاقات السياسية مع حكومة قطر، اكتشفت مصادفة وجود دولة تدعى المملكة العربية السعودية تتفرد بتنظيم الحج، وكبار مذيعيها ومنسوبيها ـ المستقلين والأحرار عن قطر ـ اكتشفوا بعد عشرين عامًا وجود دولتنا بجوارهم أيضًا، فباتوا يرجمونها بتقاريرهم وبأيديهم القصيرة عبر تغريداتهم صبيحةً وعشية..
قطر التي يأتِي شكلها على الخريطة كإصبع إبهام تكفّلت الجزيرة بطبع بصمتها الزائفة عليها مع شديد الأسف. من جانبي أظن الخلل تعاظم لأن في بيئتنا البدوية والتقليدية قبل أن يتشكّل لدينا آراء اجتماعية واضحة، أطلّت الجزيرة حاملة بيديها لنا رأيًا ورأيًا آخر لا يبتعد عنه سوءًا. وأقترح في النهاية على وزارة الإعلام القطري في هذا المناخ السياسي الفاضح، أن يتم تحويل الجزيرة إلى قناة رسمية للدولة، أو أن يتم تعديل الإشعار الصوتي المزعج الذي يسبق نشرات الأخبار إلى: "الجزيرة لقطر".