|


فهد عافت
عَدَائيَّة الفنّ!
2017-09-17

 

 

الفنُّ في أساسه طلّاب قُرْب!.

 

ـ يطلب القُرب ويحصل عليه لأسباب عديدة: رقّته ولطافته، قدرته على التغلغل وهزّ المشاعر، خِفّته وبراعته "السيركيّة"، ثراء الدّهشة، خصوبة التأمّلات المُقتَرحة منه، جَسارَة المُكاشفة فيه، عظَمَة التجانس والانسجام، سِحْر الإيقاع، حالة التّطَهُّر من خِلالِه، يُمكنك إضافة أسباب عديدة أخرى، غير أنه لن يكون من ضمنها: دفاعه عن "وَضْع راهِن"، أيًّا كان هذا الوضع!.

 

ـ من هنا، لا يُمكن لفنٍّ إلّا أن يكون عَدَائيًّا على نحو ما!، أنْ يحمل بذْرَة عَدَائيّة بشكل أو بآخر، أن يتضمّن حِسًّا مُعارِضًا!.

 

ـ الفنُّ في حقيقته: "نَعَم” كبيرة، إلّا أنّه لا يقدر على الحياة، ولا على تبرير وجوده، دون "لاءات" مشاكسة!.

 

ـ أوضح أشكال العَدَائيّة، تختصرها النظرة الصائبة بأن أسرع طريق للشهرة في عالم الفن يحصل من التوغّل قدْر المستطاع في الثالوث الخطر: الجنس والدين والسياسة!.

 

ـ لكن هذه تظل عَدَائيّة سطحيّة، وهَوَسًا تجاريًّا لكسب صِيت أو مال، خاصّةً إذ ما اكتفت هذه العدائيّة بذاتها، أي إذا ما اكتفى العمل الفنّي من حيث هو عَدَائيّ بموضوعه الخارجي، بصِدَامِيّته التي ستظلّ صِدَامِيّةً، وستحتفظ بنفس طاقة التحرّش، فيما لو تمّ طرْح موضوعها خارج نطاق العمل الفنّي، ودون الحاجة إلى سياقاته!.

 

ـ العَدَائيّة الفنيّة الخلّاقة، شيء آخر لا علاقة له بما سبق، هي تلك التي لا يمكنها الدِّفاع عن الوضع الراهن لمجالها الفنّي، لطبيعة الفن الذي تَغْزِله وتتحرّك فيه ومن خلاله، وهي عبر رغبتها في التغيير، وقُدْرتها عليه، قدرتها على طرح "شكل" فنّي مغاير، وكسب قيمتها من خلال الاعتراف بجماليات أُفُقها المُقتَرَح، تكون قد كسبت رهانها، وفازت بتفوّق حُججها الجديدة، وحازت على صَلاح تسميَة الأعمال المشحونة بها: أعمالاً فنِّيَّة!.

 

ـ "هل غادر الشعراء من متردّمِ"، سؤال فنّي أصيل، شرط أن يكون جوابه: نعم، غادروا!،..

 

ـ وأن يكون دليل صحّة الجواب هو العمل الفني نفسه، بحيث تكشف فنّيات العمل عن السؤال والجواب!، ولعلّه من دلائل عبقريّة عنترة في معلّقته الرائعة هذه، أن جاءَ السؤال مَطلعًا للقصيدة، مثل هذا السؤال لا يمكنه إلا أن يكون مطلعًا؛ لأن كل ما عداه جواب عليه، جواب بنَعَم، وإلّا لَمَا قال الشاعر جملة واحدة بعد هذا السؤال؟!.