أحيانًا لا تكون الصورة مزوّرة، لكنها تكون مقلوبة!، ولعلّ في هذا ما يُربك المشهد أكثر!.
ـ خذ عندك: أجيال متعاقبة، حفظت مثل هذه المقولة: "كنّا ـ نحن العرب ـ والمسلمون أهل الحضارة والتنوير"، نعم المقولة صحيحة، لكنّني أظن أنها لُقِّنت لنا بالمقلوب، ولم يكن ذلك عن جهل، بل عن عمد، وما تبع ذلك من نتائج كانت كارثيّة إلى حد بعيد!.
ـ كيف تم قلب الصورة؟!، ببساطة تمّ ضخّ مثل هذا التفوّق، بطريقة هي في كل مباشراتها وفي كل إيحاءاتها، تتحرك في مفهوم واحد وتتّجه إليه، مفهوم يتمثّل في أن المسلم العربي صاحب الحق في الحضارة والتفوّق، بناء على عرقه ودينه، وبما أنه لا يزال محتفظًا بهذا الدين وذلك العِرْق، فإن تفوّق الآخر عليه، ليس إلا نهبًا لحق من حقوقه الخالصة!،.
ـ مثل هذا الفهم قاد أجيالاً عديدة إلى ما قُدِّم على أنه واجبها، حيث ضرورة استعادة التقدّم على الآخرين بحجّتي العقيدة والعِرْق، لا بحجّة العِلْم والتجربة وفتح الأفق إلى أقصى حد للفِكْر والتجديد!.
ـ الصورة في أصلها صحيحة، التزوير كان في الإطار فقط، والخطيئة كانت في القلب!، ذلك أن العبارة كانت ترفض التقيّد بإطار زمني محدد، وكأننا منذ خُلقنا كنا سادة الدنيا، وكأن مجرّد كوننا أهل عقيدة كافٍ لسيطرتنا على العالم!، وهذا غير صحيح أبدًا، ولا يصح عقلًا ومنطقًا!.
ـ الصورة المقلوبة تم تقديسها تقريبًا، وصار من الصعب وربما المستحيل الاقتراب منها، أو حتى الإشارة نحوها بما يكشف، ومن ثَمَّ يُلزم، بضرورة تعديلها!، كل من حاول فعل ذلك اتُّهِمَ في دينه، وتم التشكيك في أصالته، وأُدين في ولائه!، وهو ما لم يتلقَ الطّعن في صدره، تمرّغ في مهانات على مسمع ومرأى من الجميع!.
ـ هناك من اعترض، وصاح: الصورة مزوّرة!، وقد كان مخطئًا، لكنه لم يكن خائنًا، ولا مُستَلَبًا، ولا قليل دين بالضرورة!، وأظنه قد تم رميه بكل هذه الاتهامات، بأكثر من صيغة ولهجة!، وكم كانت هذه الصيغ واللهجات تنال من تصفيق الحشود كل ما هو ساخن ومؤيِّد!.
ـ آن الأوان، بل اقترب من أن يفوت، لقراءة المشهد من جديد، ولتعديل الصورة: كنا الأفضل والأكثر تقدمًا؛ لأننا كنا الأكثر حريةً وتسامحًا، والأكثر بذلًا للعلم والتجريب، والأشد احترامًا وتقديرًا لأهله، والأوضح رؤية في فهم متطلبات الحياة، والأنشط جهدًا في كل مساعيها، وقد كان من حسن حظنا امتلاكنا لتراث جيد من القِيَم والأخلاقيات، تم استثمارها بمؤازرة دينية صحيحة العقيدة وسليمة النوايا، وعظيمة الانفتاح على الآخر، عظيمة الدفاع عن الحياة، وبذلك سُدنا!،.
ـ لا أحد يرجع، ثم يحلم أن يكون في المقدّمة!،.
ـ فكرة الرجوع لنتقدّم: صورة مقلوبة بشكل من الخزي ألا يكون واضحًا!.