|


فهد الروقي
"نقابة سباكين"
2017-09-25

 

 

 

لدينا في الساحة الرياضية قناعات غريبة تشبه الأصنام في تكوينها الثقافي لا في مادتها الأصلية، ففي وقت الانتصارات تختفي الأخطاء الموجودة في الفرق الفائزة، ومن ينتقد ما يراه يعتبر "حاقدًا"، وفي فترات الانكسار والتعثّر تختفي الإيجابيات، ويوصف من يذكرها بـ "المطبل"، والمعيار الحقيقي لهذه الثقافة، التي كوّنت هذه القناعات، هي "العاطفة" ولا شيء غيرها، فحين الانتصار لا ترغب الساحة في تكدير صفو فرحتها بالانتقاد، وحين الانكسار يزداد الغضب بمجرد أن يتم امتداح أمر ما في الفريق وإظهار شيء من الإيجابيات، ثم كالعادة تتحوّل بوصلة "الشتم والإقصاء" الذي يعتبره أصحابه "نقدًا"، أو في أقل الأحوال "وجهة نظر"، وليس لأحد الحق في تخطئتها، وصاحبها يملك كل الحقوق الحصرية وغير الحصرية، بتحويل مدرب قضى جُلّ عمره في مقاعد الدورات المتلاحقة، وفي التجارب الميدانية الطويلة إلى "سباك".

 

وأوضح الأمثلة التي تحضرني حاليًّا بهذا الخصوص، هو المدرب اليوناني "دونيس" الذي أشرف على تدريب الهلال قبل موسمين ونيّف، وقد حضر في منتصف موسم متهالك والفريق قبله كان متهالكًا، فحقق كل ما يمكن تحقيقه "الفوز بكأس الملك، والوصول إلى دور الثمانية آسيويًّا، واحتل المركز الثالث على الدوري"، ولأنه استطاع انتشال الفريق، وتجاوز كل الظروف التي اعترضته، حيث كان أحيانًا يلعب دون مهاجمين، وأخرى دون محاور، وثالثة دون جمهور، ومع ذلك استطاع الفوز حتى أصبحت الجماهير والإعلاميون يتغنون به "دونيس ابخص"، لكن وبمجرد الخروج من البطولة القارية في الوقت بدل الضائع، انقلبت الآية، وبدأت حرب ضروس عليه بتصيّد الأخطاء رغم وجودها في فترة "ابخص".

 

الأمر نفسه ينطبق على حالات كثيرة، وفي كل الأندية؛ حتى بات كثير من المدربين الكبار يرفضون القدوم إلى دورينا؛ لأنه باختصار "يحترم اسمه وتاريخه"، وليس لديه استعداد أن يضحى بهما، ولكم في البرازيلي "جوميز" صاحب التجارب الكبيرة في أعرق الأندية الأوروبية واللاتينية مثال حي، حيث أقيل بعد أربع جولات فقط، وهو لم يتعرض لأي خسارة، حيث فاز في مباراة وتعادل في ثلاث؛ اثنتان منها أمام فرق قوية ومنافسة، بل إن السبب في التعثر كان واضحًا، فالفوز حققه حين شارك بالمجموعة التي تدربت معه في المعسكر، وحين تأخرت الإدارة في التعاقد مع الخماسي الأجنبي والسادس لم يلتحق لمشاكل مالية، وأصبح لزامًا عليه أن يشركهم، مع أنهم يحتاجون وقتًا للانسجام مع المجموعة، ولتشرب طريقة المدرب، جاء التأثير على المستوى الفني بشكل عام.

 

باختصار إقالة "جوميز" محاولة لصرف الأنظار عن الأخطاء الإدارية المتراكمة، وعدم القدرة على حلها، ولاسترضاء الجماهير الغاضبة، وهي حل مؤقت سواء معه أو مع غيره، وفيها هدر مالي وإبعاد للاعبين عن تحمل ضعف مستوياتهم وروحهم وقتاليتهم، بل عادة تأتي مراعاة لأمزجتهم المتقلبة.

 

الهاء الرابعة

 

‏يا طول ليل الـمفارق في وجـود الهموم

‏ويا طول صبر الحزين اللي يدور فرج

‏ويا قو عزم الشجاع اللي لا ثقلت يقوم

‏اللي جعـل معضلات الـوقت تـوه درج