في السابع من أكتوبر الجاري، كتبت عبر "المسار التاسع" مقالًا بعنوان "ضوء أزرق في نهاية النفق".. وقد اجتهدت خلاله في تسليط الضوء على تلك المهنية والاحترافية والنموذجية التي قدم فيها "الهلال الكيان" نفسه في سوق العمل الرياضي.. كتبتها بعد أن ظهرت نتائج جمعيتهم العمومية وهي تحمل الكثير من البشائر لعشاق الكيان.. والعديد من مؤشرات الجذب لكل مستثمر يريد أن يوجه أمواله إلى قطاع الرياضة..
لم تكن نتائج الاجتماع صادمة أو غير متوقعة مثلًا.. فالبعيد قبل القريب كان يدرك أن ذلك النادي هو الأبعد عن التقليدية والأقرب نحو الاحترافية.. هو الأكثر جذبًا.. والأقل تشويهًا في مشهد رياضي تشبعت صورته بالقضايا والمطالبات والمشاكل والانكسارات.. وهي حقيقة تغنى بها عشاقه.. واعترف بها غيرهم.. وإن لم يصرحوا بذلك..!
المكان.. حي "الظهيرة" في مدينة الرياض.. الزمان.. العام الميلادي 1957.. اتجه شاب متوقد بالحماس.. تقوده طموحاته.. إلى بيت طيني لا تتجاوز مساحته مئة متر مربع.. كانت تلك المساحة كافية ليغرس فيها ذلك الشاب بذرة حلمه.. كانت تلك الجدران كافية لتحيط بذلك المولود الجديد.. أسماه الأولمبي.. إلا أن الملك حينها اختار له اسم "الهلال".. لتبدأ معه قصة مثيرة.. قصة ازدحمت فصولها بالكثير من الدروس والعبر.. الأفراح والأتراح.. الضحكات والعبرات.. قصة طويلة سأكتفي بالإشارة إليها.. ولن أسردها كي لا أختزلها أو أشوهها..
لن أضيع وقت القارئ الكريم في سرد الإنجازات والبطولات داخل ميادين المنافسة، فقد سبقني غيري سردًا وتوثيقًا وتقديمًا.. لن أتناول أسماء من خدموه وبذلوا من أجله.. فلا المساحة تكفي ولا العبارات تفيهم حقهم.. لكني هنا أتحدث عن "الأزرق" الكيان.. أتحدث عن منظمة الأعمال الرياضية التي فرضت اسمها وشكلها ومنهجها.. تلك المنظمة التي أسست للكثير من المبادئ والقيم.. تلك المنظمة التي باتت أنموذجًا لكيفية وماهية العمل الرياضي المهني المتقن..
المكان.. حي "العريجاء" في مدينة الرياض.. العام الميلادي 2017.. يتشاور أصحاب القرار في النادي حول التصميم الأنسب لتوثيق احتفالهم بمرور ستين عامًا على نشأة ناديهم.. وبينما هم كذلك.. كنت أتساءل وأنا أستعرض شريط ذكريات ذلك الأزرق..
أستعرض ذلك الشريط وأتساءل.. هل كان يعي ابن سعيد وأعوانه أن ذلك البيت الطيني في "الظهيرة" هو الخطوة الأولى التي أوصلت مولودهم ليصل إلى ما وصل إليه؟! لكنه سؤال لا يصل إلى أهمية التساؤل الأهم.. وهو "كيف" اكتمل ذلك "الهلال" وبلغ هذه المرحلة قيمة وقامة؟!.
لا أعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال ستكون صعبة أو سيرهقك البحث في اكتشافها.. فالمتابع للهلال والهلاليين.. سيجد أنهم باختصار استبدلوا كلمة "أنا" بـ "نحن".. واستبدلوا مفردة "أمس" بـ "الغد".. وتركوا الانشغال بالآخرين ليتفرغوا إلى تطوير أنفسهم.. أعلم أنها إجابة سهلة في تسطيرها.. لكنها تحتاج إلى قلوب وعقول وأياد صادقة في تطبيقها.. وهذا هو الأهم!.
كتبت ما كتبت عن "الهلال".. وأنا أشعر بالفخر بوصفي موطنًا سعوديًّا يشاهد هذا المنتج الوطني الرياضي الفائق الجودة.. منتج رياضي تجاوز إطار الإنجازات الميدانية ومنصات التتويج.. منتج رياضي ملهم.. إبدع قادته في قيادته؛ ليصبح المنظمة الرياضة السعوية الأكثر نضجًا وكفاءة.
إلى صناع القرار في بقية أندية الوطن الحبيبة.. بلدنا يتطور سريعًا.. ورياضته تعيش مرحلة انتقالية مفصلية.. وهذه فرصتكم.. اغتنموا هذا الدعم في البناء.. تفوقوا على الهلال.. تستطيعون ذلك حتمًا، ولكن بالاحترافية والمهنية ولا شيء غيرهما.. فلا تضيعوا الوقت..!
دمتم أحبة.. تجمعكم الرياضة.. ويحتضنكم وطن..