|


فهد علي
قف من أجلهم لا من أجلك
2017-10-26

 

 

 

من الجيّد جدًّا والحسن شعور الكائنات البشرية بالإنسانية، أي أن يعود الإنسان أدراجه إلى الخلف ليتفحّص خصاله الحميدة الأولى، ويرفل بالهبجة لعجز الأيام عن تشويه ذاته كما يظن، فيغلق الباب على خصاله وينساها كما تغلق أم الباب على ابنها الصغير حينما تختم جزءًا من يومها بنظرة اطمئنان إلى طفلها وهو في سريره ملفع بالغطاء وغارق في سباته، لذلك إنه على ما يبدو مشاعرنا الحديثة صارت لاعبًا خارجيًّا، تبتعد عنّا، منشقّة وقابلة للاستدعاء، وكلّما أرى مقطع فيديو إنسانيًّا ـ تلك المقاطع المتداولة بصورة دائمة خلال وسائل التواصل ـ أتأمل تعبيرات الاحتفاء من جموع الناس وأظن أن هنالك خللًا ما، إننا نشاهد موسمًا متكررًا لصعود البعض على قرقرة بطون الفقراء، ومجد المصور الذي كسبه باستنزاف الساعات للحصول على التقاطه ضحكة نادرة لطفل شقي كي يُظهر لنا "وجه السعادة" الوحيد للتعاسة، ويُغيّب عنّا "وجوه العبوس" المئة الأخرى للتعاسة. 

 

أنا أقترح أن الفقراء الذين أثقلهم العوز وأولئك من لمستهم الأقدار المؤلمة، أن ينالوا إمدادات المساعدات دون حاجتهم لهذه "البهذلة" وللبكاء العلني من أجل أن يحصدوا انتباهنا، ثم أليست فكرة لا تنتمي للخبث في تركهم يعيشون بقية حياتهم في كف سعي الإنسان ـ الثري الذي يرتدي اللباس الأنيق وأحدث الساعات ـ عن جولاته في عوالمهم، ويقرر الاعتزال عن كسب سيل المدائح من خلال مساحة يحققها عبر الظهور حين يُصلح أعطاب المعطوبين أمامنا، فيما في وقت مساعدته لهم يجهل انتهاكه جزءًا من خصوصية حياتهم. 

 

إني أظن أنه من الطبيعي أن نستسلم لطبيعة الوجود الثابتة في أن يمتد الفقر، وما من حيلة نوقف بها استشراء المجاعات في العالم، وما من سحر يعطّل المصائب التي تصعق حياة البعض، لكن ومع ذلك تبزغ صفة جيّدة في استخدام عقولنا بالعمل على تحسين محيطنا الخاص، في أن مثلًا نطالب بإلحاح بضرور وضع سلّم خاص لذوي الاحتياجات الخاصة في جميع المباني والمنشآت، بدلًا من الاكتفاء بتداول فيديو لتجربة فردية تخص معاناة أحد القاعدين على كراسيهم المتحركة، ولنقف قليلًا على عمل "إعادة تغريد" لحالة طفل فقير إذا رأيناه في الشارع حين خروجنا من منزلنا لما أعرنا أدنى اهتمام له، إذ يصير ميدانًا خصبًا لمشاعرنا الجديدة التي يغدو بها وجهًا لا يصلح إلا للتأمل على شاشات هواتفنا وحسب.