ما الذي تمنحه القافية: طمأنينة الاعتياد، ودهشة المفاجأة!.
ـ هذا ما يسمح للقصيدة بأن تتحوّل إلى أسطورة!.
ـ موضوع القصيدة قد يكون عاديّاً، لكن صياغتها، من خلال أدوات الشعر، وبالذات قفزات الإيقاع، وسطوة القافية السيركيّة، تُكسب الحكاية البسيطة، والمكررة غالباً، هالةً خرافيّة، وبُعداً أسطوريّاً!.
ـ الوزن، الإيقاع الشعري، رِتْم الكلمات الواحدة بعد الأخرى، يعيد قائل الشعر وسامعه، إلى بدائيّة سحيقة، إلى الصيد!.
ـ لا شعورياً يسكن شعور ويتحرّك: الكلمات قوس، وانسياب الإيقاع هو بالضبط شَدّ الوَتَر، أما القافية فهي مجموعة متداخلة من الأشياء: الإحساس بأن الشّدّ وصل منتهاه ودرجته المطلوبة، وأنّ الأرنب صارت في المرمى تماماً وأنه ما لم يتم رميها الآن.. الآن.. حالاً، فإنها ستتمكن من الهرب، القافية هي لحظة القرار والتنفيذ، وهي السهم منطلقاً وهي الفريسة!.
ـ لستُ ضد قصيدة النثر، معها حتى قبل أن تُوجد في غير محاولات قليلة، لأختصر: معها حين يكتبها أنسي الحاج مثلاً!، كتبت مرّةً أن النثر هو أكثر بحور الشعر قدرة على السفر والإغراق!، وأن أصعب القوافي: غياب القافية!..
ـ مع قصيدة النثر، شرط أن يتمكّن صاحبها من إثراء الفتنة والعجب، ومن الإبقاء على حالة الصيد البدائيّة، إنْ هو فعل ذلك حقّاً، فهو عبقري أنتج معجزة!، يكون قد تجاوز الوزن والقافية، تجاوزهما ولم يقصر عنهما!، وحينها سوف يضخّ في القصيدة نفوذاً وهيبةً يضافان لما للقصيدة من هيبة ونفوذ، ولسوف يكسب الشعر سطوةً لم يسبق لها أنْ تحقّقت من قبل!.
ـ مع هذا، لا أظن أنّه بمقدور الشعر التخلّي عن الأوزان والقوافي، الشعراء لن يكونوا أغبياء وحمقى إلى الحد الذي يمكنهم معه التخلّي عن هذه الفوانيس السحرية!.
ـ الاستغناء عن الموسيقى الخارجيّة للشعر، الخروج من مجال الجذب المغناطيسي لعملية الإيقاع، ولعُمْلَة الرِّتْم مكشوفة الوجه من جهة وخافية الوجه من جهة أخرى، عملية انتحار بمعنى الكلمة، وبمعنى الكلمة هي غبيّة أيضاً!.
ـ كل الفنون تحاول الاقتراب من الموسيقى، وأهم ما في الشعر، أنه وعبر أوزانه وقوافيه، يظل أكثر الفنون قرباً من الموسيقى، إنه هي!، وقد تجاوز هذا الشرط بسلاسة، صار هذا الشرط جزءاً من إرْثه ومن طبيعته، هذا مكسب يفوق الأحلام بالنسبة لفنون أخرى كثيرة!،..
ـ بقي على الشعر أن يُكمل عملية التلاحم، أنْ يكون معنى ذاته، أنْ لا يُفسَّر بغير كلماته وبنفس ترتيبها!، تماماً كما أنه لا يمكن تفسير الجملة الموسيقية بغيرها!.
ـ خسارة الشعر في هذه الحالة، ستكون مدويّة، بقدر نجاحه: سوف يخسر الترجمة إلى الأبد!.
ـ من ناحية أخرى، تبدو مسألة الاستغناء عن الأوزان والقوافي، غبيّة وحمقاء، لأنّ الشعر في حقيقته الخالصة، في روحه المنطلقة، موجود في فنون أخرى كثيرة، في كل الفنون تقريباً، في الرواية والحوار المسرحي والمشهد السينمائي وفي الرسم والنحت، بل وحتى في المقالة!، ومتى ما استغنت القصيدة عن الوزن والقافية، فإنها ستجابه كل هذه الفنون في تحديات تبدأ من الصفر تقريباً!.
ـ وسيكون على الشعر إثبات ذاته، وتأكيد أحقيته بالتفرّد كجنس أدبي أصيل، من خلال تقديم نماذج وأعمال جبّارة حقاً، وهو أمر لن يتمكن منه إلا عدد قليل جداً.. جداً.. من الشعراء، أقل مما يسمح للشعر بأن يكون فناً مُعاشاً، وموجوداً في كل مكان، أمر سيجعل من قارة الشعر الكبيرة، مجرّد جزيرة صغيرة!.
ـ المجد للوزن والإيقاع والرتم والقافية!.