أنا مع من فقد أو بدأ يفقد الثقة في البرامج الوثائقية أو ما يشبهها، تلك التي تجيء على شكل تقارير أو تحقيقات لرصد وتسجيل حدث أو مرحلة أو قضية أو حركة أو شخصية. السبب في ذلك أن ما يتم صنعه حالياً من برامج توثيقية لأحداث عايشناها أو شخصيات عرفناها أو قضايا نفهمها جيداً يتم عرضها وتوثيقها بطريقة لا تتفق مع واقعها ويغلب عليها ما يمكن تسميته (التكييف) أي أن الجهة المنتجة لهذا العمل أو من وراءهم كيفوا هذه القضية أو الحدث لما يريدون أن يتم فهمه عليه. أصبح لدي بعض الشكوك فيما وصل إلينا من برامج وثقت أحداثا كبرى كنا نؤمن بصدقيتها وتنطلي علينا سرديتها القصصية ونعتبر أن الكلمة والصورة المصاحبة خير دليل على السلامة والأمن المعلوماتي الذي بالتالي يجعل لها القيمة التاريخية التي تجعل منها مرجعية لفهم الأحداث ومعرفة مجرياتها. حين تابعنا بعض تقارير عن الغوغاء العربية التي نتج عنها إسقاط أنظمة تحت مسمى ثورات وربيع عرفنا جلياً كيف يمكن لهذه البرامج ومن وراءها صياغة التاريخ من زاوية خاصة وصناعة الأبطال لأسباب معينة وتحديد أهمية دور أي شخصية أو تيار أو بلد بحسابات تأخذ في الاعتبار أشياء عدة ليس بينها أمانة أو صدق المعلومة. لقد فوجئنا بسيناريوهات يتحدث عنها البعض في مصر وليبيا وتونس واليمن أدت ـ على حد زعمهم ـ لنجاح هذه الثورات وظهرت لنا شخصيات وصفت بأنها لعبت دوراً هاماً، وتيارات ودول صورت على أنها كانت محورية فيما تحقق ولأن ذلك تمت صياغته بآلة إعلامية محترفة وضخمة فقد بدت المشاهد منطقية وطبيعية لغير المتابعين جيداً أو المهتمين والراصدين لكنها في الحقيقة كانت برامج وتقارير مزيفة. هذه البرامج والتقارير والتحقيقات التلفزيونية أو ما سيصدره البعض من كتب تؤرخ لمثل ذلك سيكون مهماً بعد عقود وسيكون هو نفسه الطعم ربما الذي أكلناه ونحن نجلس أمام شاشات التلفزيون لمتابعة برامج وثقت أحداث وأزمات مرّ بها العالم قبل عقود أيضا، لذا فإنه من الواجب أن يتصدى المهتمون بالرصد والتوثيق والتحقيق لمثل هذه الأعمال الإعلامية لتصويبها من جهة ولدحض الأكاذيب التي تضمنتها ولقطع الفرصة على من يريدون لأنفسهم بطولات ويجعلون من أنفسهم زعامات أو لدولهم حجماً أكبر مما تستحق أو لتغيير طبيعة الأدوار التي أدوها من نزقة إلى شجاعة ومن تافهة إلى حكيمة ومن بالوكالة إلى بالأصالة وهكذا.