|


د. سعود المصيبيح
مشكلة التعصب الرياضي
2012-05-31

بدأ حضوري للمباريات الرياضية مع إقامة دورة الخليج الثانية في عام 1392هـ في مدينة الرياض، وكانت وسيلة حضور المباريات (خط البلدة) وهي الحافلات القديمة التي لا يزال بعضها يعمل، وسبب لشهرة زميلنا فايز المالكي الذي يقوم بدور مناحي سائق الحافلة والتي تنقل الركاب من البطحاء إلى ملعب الملز (ملعب الأمير فيصل بن فهد -رحمه الله- بالملز). وكنا صغاراً في السن حريصين على تشجيع فريقنا المفضل.. نحمل الأعلام ونهتف ونتحمس؛ وإذا كانت المباراة للمنتخب فنحن مع المنتخب قلباً وقالباً، ومع التقدم في السن سنة بعد سنة واقتناء سيارة صار الذهاب للملعب أيسر وأسهل حتى التحقت بالعمل في الصحافة الرياضية مع نهاية التسعينيات، وأصبح بمقدوري الدخول للملاعب الرياضية من خلال البطاقة الصحفية، فانتقلت من مدرجات الدرجة الثانية حيث الصخب والتشنج وقاموس الكلمات الحادة على لاعبي ومشجعي وإداريي الفريق الآخر أو على التحكيم إلى قاعات أهدأ وأجمل، تكتب عن المباراة وتبحث عن التصريح وتعايش الحدث وقريب من الشخصيات الهامة. وبعد ذلك انقطعت علاقتي بالملاعب إلى قبل عدة سنوات حيث حضرت أربع أو خمس مباريات من أجل الأولاد، ويكون الحضور أيضاً في المنصة وفي أجواء هادئة يتخللها تناول القهوة والمرطبات وأكل السندوتشات اللذيذة بين الشوطين، وتبادل الأحاديث مع رؤساء الأندية وأعضاء الشرف وأعضاء مجالس الإدارة وكبار مسؤولي وموظفي رعاية الشباب واتحاد كرة القدم، فتكون بعيداً عن الجماهير وصخبها وما يتم تبادله في مدرجات الغالبية وهي مدرجات العشرين ريالاً الأنسب للشباب والمعتاد من الناس. بطبيعة الحال عند النظر إلى مشكلة العنف والتعصب في الملاعب الرياضية فإنه يجب حصر ذلك في الملاعب السعودية حسب عنوان ندوة ملتقى العنف والتعصب الرياضي الذي عقد مؤخراً في الرياض بتنظيم من الاتحاد الرياضي لقوى الأمن الداخلي، بمعنى أن هذا العنف والتعصب إذا حدث في الصحافة الرياضية أو في القنوات التلفزيونية أو في الشارع فإن الملتقى ليس معنياً بذلك، ولهذا لابد أن يكون اسم الملتقى: (العنف والتعصب في الرياضة السعودية...)، ولهذا ندخل في ذلك تهجمات رؤساء الأندية أو أعضاء الشرف على الحكام والجهات الإدارية المسؤولة كما فعل أحدهم الذي انتهى بإبعاده عن الرياضة مدة خمس سنوات وتغريمه بـ 172 ألف ريال، أو تنابز إعلاميين رياضيين بالألقاب والشتم والتفاخر بالأنساب والأحساب، والطعن في الآخرين كما حصل في عدد من البرامج التلفزيونية، أو محاولات الاعتداء على إعلاميين رياضيين بشكلٍ غير مقبول مما يدل على أن الحالة وصلت إلى محاولة التعدي على النفس ومضايقة الآخرين. أما المشكلة الفعلية فهي: المدرج الرياضي نفسه الذي يجمع عشرات الآلاف الذين لا يفرقهم شهادة دراسية أو عمر أو مستوى اجتماعي أو منطقة سكانية أو جنسية، وإنما الكل في مستوى واحد وفي مدرج واحد يسمعون نفس الشتائم والكلمات ذاتها ونفس القذف للآخرين ونفس التشنج والحماس والعاطفة ولهذا عندما طلبت من بعض الأقارب من الشباب الذهاب إلى المدرجات الأخرى ودفع مبلغ عشرين ريالاً بدلاً من دفع 300 ريال، كان الرد بأن تجاربهم السابقة مخيفة، حيث اختلاط الحابل بالنابل وسرعة الغضب وقذارة المكان ونوعية الحضور من كافة الجنسيات والأعمار وسماعهم لألفاظ بذيئة وتوتر إضافة إلى التدخين وشكهم أن البعض من الحضور ربّما يتعاطون بعض المخدرات، وبالذات حبوب الكبتاجون المهيجة للأعصاب والتي تقف خلف الكثير من الجرائم، وبالذات "المضاربات" والاعتداء على الآخرين بالسب والشتم وخلق حالة من التوتر والغضب والانفعال والتهجم على جمهور ولاعبي وإداريي الفريق الخصم، إضافة إلى طاقم التحكيم الذي يناله أكبر قدر ممكن من الشتم عند أيّ صافرة سواء كان ذلك في احتساب خطأ أو تسلل أو ضربة ركنية أو هدف أو ضربة جزاء مما يسبب التوتر والغضب طوال دقائق المباراة. ويبقى الفيصل هنا هو الدراسة العلمية الوصفية لواقع هذه المدرجات، بمعنى أن يقوم فريق عمل وعلى مدى ستة أشهر مثلاً بحضور أكثر من مئة مباراة وفي مدرجات مختلفة تشمل جميع مناطق المملكة.. وعلى ضوء هذا الواقع الوصفي والرصد الدقيق لسلوك الجمهور الرياضي يمكن تحديد درجة العنف والتعصب الرياضي في الملاعب الرياضية السعودية، وغير ذلك يكون الموضوع تخرصاً وتوقعاً وكلاماً غير علمي ولا يستند على دراسة حقيقية.. وهذا الأمر يمكن أن يقوم به فريق من معهد الإدارة العامة أو من معهد إعداد القادة أو من جامعة الملك سعود أو جامعة أم القرى ليتم الوصول إلى النتائج العلمية وفق الأساليب البحثية المقننة والمعروفة أكاديميّاً وعلميّاً.