علي إبن التاسعة واحد من هذا الجيل الصغير الكبير العرمرم المغرم بكرة القدم.. يذهب إلى المدرسة وهو يحلم بـ(حصة الرياضة).. ينام وهو (مطقم) بملابس الرياضة.. علي – يا سادة – ما زال مفتوناً بالكرة رغم أنها غالباً ما تكون (منسمة) يصعب تناقلها وتوجيهها نحو الهدف! ذكرني علي بجنون قديم بدأ مبكراً في المرحلة الابتدائية، وكانت له أعراض (صارخة) لا تنسى.. ففي ليلة ذهبت إلى النوم مبكراً بعد أن ارتديت ملابس الرياضة استعداداً لحصة الرياضة في المدرسة.. ولم تمهلني حماستي إلى الصباح فقد بدأت المباراة في المنام وصحوت على صوت (ارتطام) رأسي بجدار الغرفة الذي كنت أنام قريباً منه.. كانت الكرة مرفوعة (بالمقاس) وصاحبكم ينتظرها (بالرأس).. ولكنها جاءت سليمة.. مجرد انتفاخ بسيط في الجبهة لم يكن ليعيقني ويحرمني من الذهاب إلى المدرسة والاستمتاع بحصة الرياضة وإلا لكنت قد استفدت منها (وعملت من الحبة قبة) واستمتعت بالنوم والإفطار اللذيذ مع الوالدة! أعود إلى علي الذي يشبهني.. وما أكثر من يشبهنا والخيار الوحيد ما زال (كرة القدم).. أعرف أنها شهيرة.. مثيرة ولكن المدارس لا تقدم للطلبة غيرها، فلماذا لا تتوارى الألعاب الأخرى ولا نحقق فيها انجازات؟ ومنذ أن (حفروا البحر) ولا أدري متى حفروه.. ولكنني كنت أسمعهم يقولون ذلك إغراقاً في القدم و(هذا هو الحال): الطلبة المغرمون بالكرة المتشوقون لركلها، يتجمعون عند باب الغرفة التي يقيم فيها (مستور) مدرس الرياضة أو التربية البدنية.. وحين يخرج الأستاذ يتفرق الجمع.. ينقسمون يمنة ويسرة قبل أن يوجه الأستاذ (مستور) تسديدته المرتقبة باتجاه ملعب الكرة فينطلق الجميع نحوها ليبدأوا اللعب في الهواء الطلق وتحت أشعة الشمس الحارقة، ويعود صاحبنا (المحسود) من زملائه المدرسين إلى غرفته الباردة، ولا يخرج منها إلا على جرس انتهاء الحصة!.. أيام ما زلت أتذكرها وأستعذبها.. ولم أعرف مقدار غرابتها وقسوتها إلا بعد أن كبرت وتعرفت على تلك النماذج المدهشة لمزاولة الأنشطة الرياضية في المدارس الغربية.. الرياضة عندهم ليست كرة قدم فقط، بل لا أبالغ لو قلت بأن الطالب يستطيع أن يزاول معظم الألعاب الجماعية وكل الألعاب الفردية حسب رغبته.. وأماكن مزاولة هذه الألعاب الرياضية المتعددة موجودة بكثرة ويذهب إليها الطلبة من خلال نقل خاص بالمدرسة. أما دور مدرس التربية البدنية فهو عملي وشاق لأنه إضافة إلى اشرافه على أداء الطلبة للتدريبات، يقوم بأدائها بنفسه، بل ويشاركهم اللعب.. وهذا المدرس رياضي موهوب ومؤهل.. ولا بد أن يكون كذلك لأنه سيكون المكتشف الأول للنجوم.. إنها صورة جميلة نراها في بلدان كثيرة من هذا العالم الذي أضحى اليوم كما يقولون (قرية صغيرة)، فيما (مستور) ما زال قابعاً في غرفته الباردة وعلي ورفاقه يلاحقون كرة (منسمة) تحت الشمس وفي الأجواء الحارقة!