عندما تقدمت بريطانيا العظمى بكل تاريخها لاستضافة عاصمتهم العريقة (لندن) أكبر حدث رياضي عالمي وهو أولمبياد 2012م كانوا يعلمون جيداً أن عاصمتهم العريقة لندن بكل تاريخها قادرة على إنجاح هذا الحدث.. وحتى أكون صريحاً معكم لم أكن أحب أن أتعاطف مع الشعب الانجليزي وكنت أملك فكرة خاطئة عن هذا الشعب حتى أتيحت لي فرصة السفر إلى لندن في الأسبوع الماضي والذي أكتب لكم هذه السطور وأمامي شارع أكسفورد التجاري القريب من ساحة (الهايد بارك) الشهيرة وأستطيع أن أقول الآن بكل ثقة من خلال مشاهدتي على أرض الواقع أن لندن هي (أم الدنيا) بكل ما فيها من جميع أطياف البشر فكيف الحال إذا الأولمبياد في ضيافة لندن.. كل شيء في لندن يسير بالدقيقة والثانية وكأن ساعة بيج بن التي تداعب ضفاف نهر التيمز تشهد على دقة وانضباط الشعب البريطاني الذي تنطبق عليه مقولة الشيخ محمد عبده عندما زار أوروبا وعندما عاد إلى مصر قال عبارته الشهيرة (رأيت إسلاماً ولم أر مسلمين) وهذا ما رأيته بالفعل في لندن وكأن هذا الشعب قد أخذ من المسلمين احترام الآخرين واحترام المواعيد.. ولقد مرت بي الكثير من المواقف وأنا في لندن أذكر منها على سبيل المثال أنني عندما وصلت إلى لندن صباح الأحد الماضي عن طريق فرانكفورت كنت حريصاً على حضور مباراة بريطانيا والإمارات في ملعب ويمبلي الشهير وكنت أسكن في شارع ليفربول ولأنني (غشيم) في لندن ومن أول يوم طلبت من سائق تاكسي أمام الفندق أن يوصلني إلى ملعب ويمبلي فكان الرجل خلوقاً وصريحاً ولم يستغل الموقف وكان واضحاً وقال بأن المشوار سوف يكلفك 60 باوند أي مايعادل 420 ريالا سعوديا ونصحني باستخدام الاندرجراوند وهو القطار السريع تحت الأرض بل وذهب معي الرجل وقطع لي تذكرة بقيمة 7 باوند وبالفعل كنت أطارد الجماهير الانجليزية من قطار إلى قطار حتى وصلت إلى ملعب ويمبلي الشهير..وعندها شعرت بأن تطور الأوروبين ليس بالمنشآت أو الملاعب الفخمة ولكن بثقافة الشعوب فالجميع كان مبتسما ومتعاونا والمناظر خارج الملعب كانت أجمل وأحلى من الملعب نفسه لم أشاهد جماهير تحضر إلى الملعب قبل المباراة بأربع ساعات.. قبل المباراة بربع ساعة أمتلأ الملعب بعد أن كان أكثر من نصفه خالياً وما يقال عن ملعب ويمبلي ينطبق على السباحة والجمباز وبقية الألعاب التي ستتوالى يوماً بعد يوم. ويومها تذكرت ملاعبنا وحالها المحزن من الداخل ومن الخارج وإن كنت أستثني ملعب الملك فهد بالرياض.. في لندن أعصاب الناس هادئة والطقس في منتهى الروعة والجمال.. كل العالم الآن في لندن.. في لندن يخيل لك أن الكرة الأرضية أصبحت صغيرة وحضرت إلى لندن.. في لندن لا تشاهد سيارة تدخل على مسار السيارة الأخرى أو باص نقل يتلاعب بأرواح الناس وينتقل من اليمين إلى اليسار.. في لندن لا يتجرأ أحد أن يرمي علبة عصير أو قارورة ماء فارغة أو عقب سيجارة على الرصيف ليس خوفاً من العقوبة ولكنها ثقافة شعب وهذا هو الأساس ثقافة البشر أهم من بناء الحجر.. في لندن احترام خاص للمشاة.. واحترام خاص للمعاقين وكبار السن. الوفود العربية التي حضرت إلى لندن يبدو أنها حضرت للسياحة فقط فالواضح في كل الوفود الرياضية العربية أن الإداريين هم ثلاثة أضعاف عدد اللاعبين بعكس الوفود الأوروبية أو الوفد الصيني المتصدر الاولمبياد حالياً قبل حصد الأمريكان لذهب ألعاب القوى.. العرب حضروا من أجل المشاركة فقط وإن كنت متفائلا بألعاب القوى وفريق قفز الحواجز السعودي.. المنتخب المصري الأولمبي لكرة القدم المدعم باللاعب المحبوب أبو تريكة لم يخذل جماهيره كثيراً وإن كنت أرى أن مهمة فرقة هاني رمزي ستكون صعبة أمام اليابان اليوم السبت على ملعب مانشستر لكن أن تحضر متأخراً خير من ألا تأتي أبداً.. في ملاعب لندن أو في أي لعبة تحبها هناك استثمار حقيقي للحدث الرياضي فالأسواق والمقاهي تحيط بكل الملاعب وما عليك إلا أن تستمع خارج الملعب وداخله.. الأمن البريطاني حريص بكل قوته على إنجاح الحدث دون أي شيء يعكر صفوه رجال الأمن حتى من يحمل الأسلحة منهم والغازات المسيلة للدموع لا يترددون لحظة في الابتسامة في وجه الضيوف والتقاط الصور معهم. كم أنت كبيرة يا لندن على طريقة المعلق التونسي عصام الشوالي.. من حقي أن أتغزل في لندن وقد ندمت لأنني تأخرت كثيراً في زيارة هذه المدينة العريقة.. كيف لا وقد كنت أحلم وأنا في الخامسة ابتدائي وأن أشاهد ساعة البيج بن الشهيرة ونهر التيمز على الطبيعة.. أعجبي في لندن أن أهلها لم تغرهم المباني الحديثة فحافظوا على المباني الانجليزية العريقة التي تعكس تاريخ بريطانيا التي أطلق عليها في يوم ما بريطانيا العظمى التي لا تغيب عنها الشمس. واليوم من حق كل بريطاني أن يفخر باستضافة الاولمبياد.. لأكثر من مرة.. أيضاً في لندن الشعب هنا أخلاقهم رفيعة حتى وإن كنت لاتجيد اللغة الانجليزية بشكل جيد فإنهم يجاملونك في طريقة لبقة فمثلاً يقول لك (آسف ماذا تقصد) أو (لم أسمعك بشكل جيد) ولم أشاهد أحداً منهم يتهكم بأجنبي أو يقلل من قيمته وأي انجليزي تسأله عن أي شارع لايتردد أن يأخذك بيدك ويوصلك للمنطقة التي تريدها.. ومنذ أيام التقيت بعدد من الشباب السعوديين في شارع العرب أو ما يسمى أجوال رود وطلبت منهم أن تكون لهم بصمة خلال تواجدهم في بريطانيا وأن يعكسوا أخلاقيات الانسان السعودي لانه سفير فوق العادة لبلده.. في لندن بصراحة أصابني إحباط ايجابي عندما أقارن بين لندن وبين المدن العربية فهذا يرمي ما في يده في الشارع وحوادث السيارات حدث ولاحرج والخناقات في الشوارع والأصوات العالية في الشوارع خذ منها الكثير.. لماذا لا نتعلم من الاوروبين العادات الجميلة بدلاً من أن نأخذ منهم العادات السيئة.. وكم أنت كبيرة يا لندن.. وهذا خالد قاضي يحيكم من لندن على طريقة المذيع الشهير في إذاعة لندن ماجد سرحان رحمه الله.