عاد إلى العمل بعد إجازة كان يتوقع أن ينهي فيها جميع أعماله الخاصة.. لديه مشكلة في إدارة الوقت مع أنه يعرف مسببات ضياعه، ووسائل علاجها.. ظل ينصح الناس.. يقدم لهم حلولاً ناجعة.. مجربة.. نعم لم تنته أعماله والسر في شخصيته.. هناك من يقول إنه حساس (زيادة عن اللزوم) وأن هذه الحساسية المفرطة أضحت عاملاً معطلاً له.. يوقف كل محركاته.. وهو يرى أن هذه المحركات (النفاثة) لا تحتاج لأكثر من (كلمة حلوة).. ولا يستسيغ أن يكون علاج هذه الحساسية باستقبال كل ألوان الكلام الجارح الخارج عن اللباقة واللياقة بصدر رحب يستطيع أن (يحشر) فيه رأسه ويغلق عليهما بكتفيه حرجاً إذا لم يكن باستطاعته أن يضحك مع الضاحكين.. أمرٌ جديدٌ غريب لم يتلقاه في مدرسة (أمه) التي وجد نفسه فيها بعد أن غادر أباه قبل أن يراه.. تلقى في هذه المدرسة دروساً تطبيقية لمعاني الاحترام والرحمة واللطف.. هكذا تعلم معنى الحساسية، لم يكن يعرف أنها مرض يحتاج إلى جرعات من الإهانات.. عجيب أمر هؤلاء الذين يحاسبون الناس بجفاء على تقصيرهم في واجباتهم ويتجاهلون مسؤولياتهم لأن الآخرين كانوا يتغافلون عنها رحمة بهم بل وحباً لهم.. فيما هم بـ (صلف) ظلوا يحاصرونه ليستجيب للوهم أو (يشرب من ماء البحر).. قال بـ (تحد) يليق بالأسوياء: لا أستطيع أن أغير طبعي.. إنني أفضل أن (أشرب من البحر).. كم أحب هذا البحر.. إنه الكيان الوحيد الذي يستطيع أن يضمنا كلنا.. سر صبره في ملوحته.. وأوجاعنا تحتاج إلى تطهير بماء مالح، وليس ثم سوى البحر. صحا مبكراً.. ذهب إليه.. البحر أمامه.. منذ فترة طويلة لم ينظر إليه بتمعن.. بدا جميلاً.. هائماً.. ييحث عنه.. استعاد شعوراً قديماً بمياهه وهي تحتضنه.. وبرمله وهو يدعب قدميه.. وبشمسه وهي تمده بحرارة لا يستغني عنها (عربي). أخذته الأعمال ولم يكن ليحدث أفضل مما كان.. ضاعت أوقات طويلة كان يتحسر فيها على ضياع مصلحة.. وأخرى كان يفقد فيها الوعي فلا يستطيع أن يعمل ولا أن يركن للراحة.. عناء متواصل.. والبحر أمامه يشكو له هؤلاء الذين أحالوا حياته إلى (شقاء).. والبحر ينظر إليه بحب.. يعاتبه على كل هذا الغياب الطويل.. لا شيء أجمل من البحر.. إنه صورة السماء على الماء.. وجه البحر لا يمكن أن يُمل.