نكتب أحياناً من أجل أن نعلق على حدث (ما) وأحياناً لنطرح رأياً ومرة لنقدم فكرة ومرات للتوضيح والتصحيح وقليل جداً لتقديم قراءات تحليلية أو عرض دراسات وغير ذلك. ما يكتب على شكل مقالة صحفية لابد أن يحمل في طياته رأياً خاصاً من خلال التحليل والمعالجة وتقديم مقترحات نعتقد أنها مفيدة لكنها ليست أكيدة ولا ملزمة للأطراف الأخرى. كل ذلك في ظني معلوم لا جديد فيه لولا أن هناك البعض ممن يريدون تغيير ما اصطلح عليه بحيث يكتب من أجل الكتابة ذاتها التي تجعله حاضراً في وسائل الإعلام مدفوع الأجر على حساب الحقائق، إذ لو قرأت له فلا تجد رأياً طرح ولا فكرة قدمت ولا غير ذلك، وهذا بالطبع مرده إلى أن القارئ أيضا لا يبحث عن رأي يستدل ويهتدي به إلى الحقيقة، ولا يهمه فكرة جديدة شجع مثل هذا الكاتب على الاستمرار بمواصفات رديئة اتفق الطرفان عليها، والأسوأ أنه يرى أن ما كتبه لا يحتمل الخطأ وملزم للأطراف الأخرى أن تقتنع به وتعمل على تطبيقه. هذا الكاتب وهذا النوع من القراء هما نتاج إعلام منفلت أو لم يعد له ضوابط ولا محددات البعض أخطأ فهمها على أنها الحرية الصحفية المنشودة وأحقية أن يكتب الجميع، وآخرين يرون أنها إفرازات تغير وسائل الإعلام وتنوعها وتعددها ومنهم من فسر ذلك أنها تداعيات ما يحدث في العالم من تغيير في الأنظمة والأيديوجيات وحروب وتدهور اقتصادي وبيئي واختلال في موازين القوى بتراجع دول وتقدم أخرى ومعها تغيير في التحالفات والإستراتيجيات وهذا أيضا كله مفهوم لكن دون أن يجعلنا نسلم بأن كاتب وقارئ من هذا النوع يجب قبولهما على حساب الصحيح في الحالين وجرى عليه العرف وثبت وصح في سائر المجتمعات وعبر محطات تاريخية متوالية. لا أفترض أننا جميعاً نكتب باشتراطات الكتابة الواجب توافرها من حيث الاهتمام بالمعنى ووضوح الفكرة والتحليل الموضوعي والبعد عن الأسلوب الخطابي وأن في كل ما يكتب حرصاً على المصلحة العامة لكن ما يفترض القارئ أنه ملزم لنا هو ما حددته خصائص المقالة النقدية في الالتزام بالموضوع المنقود من حيث حدوده وأبعاده والألفاظ المستخدمة في بنائه من حيث التحديد والدلالة. إن القارئ يقبل ولو على مضض تلك النرجسية التي تجعل البعض يكتب عن نفسه واهتماماته واهتمامات عائلته، أحوالها وظروفها، لكنه يريد أن يكون ذلك أمرا عارضا تم ذكره بسبب ولو من باب الشيء بالشيء يذكر، والقارئ أيضا قد يمرر للكاتب ثناءه على نفسه لكن دون أن يزكيها ويجعل من نفسه النزيهة العفيفة المخلصة التقية المدركة.. إلى آخر ذلك. في صحفنا ومجلاتنا المطبوعة أو المنقولة عبر الوسائل الجديدة للإعلام من يقوم بحملات علاقات عامة لشخصه وأفكاره ويقدمها على غيرها من القضايا والأمور التي دخل لهذه الوسائل من بابها وبدعوى أنه يتناولها وسيسهم في إصلاحها وتطويرها. هؤلاء حققوا شهرة وذياع صيت على حساب مصالح عامة وأعراض أشخاص بعد أن نصبوا من أنفسهم حماة لفضيلة لا يتمتعون بها، ولقيم لا يحملونها، مما أربك القارئ ومعه المجتمع في فهم ما يجري على وجهه الصحيح، فهل ما يقوله هؤلاء عن هيئات وكيانات وشخصيات تدير شؤوناً أو تمثل الرافعة أو الضمانة لاحتياجات ومتطلبات المجتمع، هل ما يقولونه ويروجونه صحيحاً أم هو نتيجة حالات مرضية في شخص هؤلاء الكتاب، وهنا يبرز سؤال الأسئلة، كيف حقق هؤلاء هذه الشهرة ومن أمن لهم موطئ القدم؟ هل هم جناة أم ضحايا لغيرهم استخدموهم فيما هو أعمق وأبعد مما نتصوره أنه نقد لظواهر أو مشكلات اجتماعية أو تنموية هنا أو هناك؟.