أخلاقيات الصحافة المنصوص عليها ليست واحدة ولا تلزم أي مؤسسة صحفية بشكل معين لكنها جميعاً تنطلق من مبادئ أخلاقية تضع المصداقية عنواناً أساسياً وتحاول الالتزام به من خلال بعض القوانين والتي تجبر الصحفي على أن يتحلى بالدقة والصدق والموضوعية والحياد، وتأخذ فلسفة كل وسيلة إعلامية على عاتقها تحقيق أهدافها دون الإضرار بالطرف الآخر، وهي معادلة ليست بالهينة وتتطلب جهدا وحذرا في آن واحد، فيما يرى توني بورمان وهو مدير تحرير سابق لسي بي سي نيوز أن كل مؤسسة صحفية ترتكز على مصداقيتها وتعتمد عليها فإن صحفاً وقنوات إعلامية ترى عكس ذلك وقد جربت ونجحت. ما يؤسف له أن الأقل هم من يلومونك عندما تتجاوز حدود وآداب المهنة بينما يرضى عليك الأغلب لأنك حققت أهدافا صغيرة أو حتى وضيعة كانت تعتمل في نفوسهم وتختمر في رؤوسهم. لو تابعنا كل ما يطرح في وسائل الإعلام عن طريق البرامج أو عبر المتحدثين فيها من متخصصين أو عامة لوجدت أن الكل يطالب بسن أو تفعيل الأنظمة والقوانين، فهم يرون أن ذلك السبيل الوحيد للخلاص من المشكلات أو تحسين أوضاعهم إلا أن الأمر غير ذلك، فهم في الحقيقة سيتضررون أكثر من أن ينتفعوا، إذ إن القانون قيمته بتطبيقه والمساهمة في تطبيقه والرضى عن نتائجه، وهذا يحتاج إلى بيئة مهيأة تتخلص من كثير من الممارسات والمسلمات التي تتعارض مع القانون ولا تشجع على وضع مزيد من تشريعات لا طائل منها. قانون الإعلام ينظم حماية المعلومات الشخصية والعامة، وهو جزء من الحقوق العامة والقانون المدني والجنائي من خلال حقوق الملكية الفكرية وحقوق البث والنشر والاتصالات، قانون يهتم بحرية النشر والبث وما يتعلق بالإنترنت أو غيرها من وسائل الإعلام الجديد، إنما ينطبق عليها التزام المصداقية والدقة في النشر، لكن هل كان ذلك في بال أحد من هؤلاء بمعنى أن توقفوا أمامه بجدية أكثر واعتبروا أن ضبط هذه الحدود والعمل في إطارها هو النجاح أم أن تجاوزها وتكسيرها والاستخفاف بها والتحايل عليها هو من يجعل منهم مهنيين حرفيين وشياطين لا يشق لهم غبار. قيل الكثير عن البرامج الرياضية المسموعة والمرئية إلا أن كل ما تم ملاحظته يبدو أنه بغير وسع القائمين على هذه البرامج تجاوزه عجزاً في الكفاءة، وفهم طبيعة الدور الذي عليهم أن يؤدوه لكنهم يظهرون لك أنهم لا يريدون بل ويعلنون كل مرة أنهم سيناضلون من أجل الحقيقة بنزاهة واستقلالية، ونحن نسعد بذلك ونتمناه لجميعنا، لكن الأمر ليس مجرد رفع لافتات، فهم حتى الآن لا يحسنون أداء عملهم الرئيس أي أن عليهم وضع الأساس والبناء عليه ومتى كان لهم ذلك فنحن على استعداد للسماع لهم والحكم سيكون لما يقدم وليس لما يقال. أخلاقيات المهنة وآدابها ليس لها لون واحد ولكن هي واحدة، وإذا كان البعض يرى أنه نجح رغم عدم تحليه بها فلابد أن يسقط ذات يوم ويشعر بفداحة ما اعتقده، كما سيعرف الذين يعينونهم في الليل ويتبرأون منهم في النهار أنهم شركاء فيما يحدث، وأن على الذين يطالبون بالمصداقية والأمانة ويشجعون الذين بلا مصداقية وليس عندهم أمانة أن يتقوا الله في أنفسهم وفي الناس لأن ذنبهم أعظم.