|


سعد المهدي
يا أخي أريد أن أنام
2012-09-26

يقول لي أحد العاملين في الشأن الرياضي، وهو قيادي بارز إنه يعجب من حال الإعلام الفضائي المرئي والمسموع، فقد تجاوز حدود المهنة وغير في دورها وغيب مفاهيمها.. يقول إنه لم يعد يتعامل مع الأمر، غير أنه حالة شاذة يراد لها أن تتأكد كقاعدة وإن العاملين في هذين الحقلين من الإعلام الفضائي يكادون أن ينجحوا في إقناعنا بأنهم يمثلون أقسام الشرط والمحاكم ومراكز التحقيق وإصدار الأحكام وجهات الضبط والقبض.. يفعلون ذلك أو هم قريبون من إنجازه بفرض سياسة الأمر الواقع وليس ما يفترض فيه أن يكون واقعاً، قلت به ربما أنك تبالغ بعض الشيء ولربما أن هناك ما يقلقك من فتح ملفات تتعلق بعملك والإعلام يؤدي دوره كرقيب، ولابد أن تتحمل ذلك. أعاد صاحبي القول بأن ما يدور في هذه البرامج لا يطلق عليه رقابة، بقدر ما هو حفلة جدل، ويندر أن يلتزم المتحاورون بضوابط الحوار أو آدابه مع بعضهم أو مع من يتعرضون له، إما تصريحاً أو تلميحاً، وهم أيضاً -وهذا مشاهد ويتكرر- يتحدثون دون معلومات مستقلة، ولا يمانعون مناقشة موضوع سبق طرحه في برنامج آخر ومن الألف، بالرغم من أن غيرهم قطع فيه أشواطاً أو وصل ياءه، وكأنهم جاؤوا الإستديو غير معنيين في ماذا أو كيف أو لماذا؟. فهم لا يصغون لبعضهم، ولا يعطون للمتداخل معهم فرصة الإيضاح أيّ اعتبار لما يورده من معلومة أو تصحيح أنهم لا يؤدون دور رقيب، بل يحتاجون إلى من يراقبهم. ليس بالضرورة أن أسلم بما ذهب إليه صاحبي لكن دون أن أضم صوتي إليه ويضم الغالبية العظمى أصواتهم معنا.. فإن هناك خلطاً عند بعض البرامج التلفزيونية والإذاعية بين أن تتشكل موادهم من تقارير إخبارية أو تحقيقات وحوارات، وجميعها ستؤدي دور الأخبار والكشف وتقديم الرأي والرأي الآخر، وبين أن تحول إلى أقسام شرطة وقاعات محاكم؛ إذ إن هذه البرامج من خلال ضيوفها وبمباركة مقدميها يحاولون تنصيب أنفسهم قيّمين على المجتمع والمؤسسات الحكومية والخاصة وعلى أذواق الناس وحتى أفكارهم ونواياهم يحبكون القصة كما يريدون، يسمون الفاعلين ويطالبون بجلبهم ويحكمون عليهم بالقانون الذي يشاؤون، أقول قبل ذلك فقط، فإنني أنشد التقيد ولو بقليل من الالتزام بشروط صناعة برنامج تلفزيوني أو إذاعي بمفهوم البرنامج الذي يحمل اسماً وله توصيف ومدة زمنية ومنهج وفكرة وهدف، إذ لم تعد هناك ملامح يتسم بها كل برنامج، حيث التشابه حد التداخل، وحيث التسابق على ذات الأهداف الصغيرة من إثارة وإغاظة طرف وإرضاء وتلميع آخر. يذكرني صاحبي بأن أسأل الزملاء الذين يبدؤون العاشرة وينتهون الثانية صباحاً في أكثر من برنامج على أكثر من قناة وجميعهم يفترض أن الكل يشاهده، والجميع يعتقد أن الكل ملتصق في الشاشة كي لا تفوته حركة أو سكنة، بل وللذين يطالبون بالمتابعة، وإلا ضاعت حقوقهم في الرد وأحلّ دمهم يقول صاحبي اسألهم كيف يمكن لي أن أتابعهم جميعاً في وقت واحد؟.. وكيف لي أن أرد عليهم جميعاً؟.. ولماذا يفرضون في الأصل عليّ أن أشاهدهم؟.. أريد أن أشاهد فيلماً سينمائياً أو حفلة موسيقية، أريد أن أخرج مع أسرتي.. يا أخي أريد أن أنام.. قلت له حسناً إذاً الصباح رباح، وسنكمل حديثنا هذا لاحقاً.