لم يعد أحد اليوم يشعر بالخجل في التعبير بصراحة عن واقع ارتفاع تكاليف المعيشة.. قال صاحبي (الغلبان) وما أكثر الغلابة.. قال بلغة (حزينة) لا تخلو من السخرية: (ما لنا إلا الدجاج.. اللحم غالي).. قلت: هوّن عليك يا صاحبي؛ فعبارتك (الخطيرة) باتت تُسمع - اليوم - بصوت عال من أكثر فئات الناس في بلادنا.. نعم لقد أصيبت اللحوم الحمراء بـ (جنون الأسعار).. وهذا الجنون لا يعبر عن حالة مرضية يُرجى شفاؤها كتلك التي أصابت الأبقار.. إن جنون الأسعار – يا صاحبي – يبدو مرضاً عضالاً سببه (هوس التجار) في (الاستزادة) حتى وإن كان ذلك على حساب (الغلابة) ولا أدري هل ألقي اللوم على وزارة التجارة أم على أختها وزارة الزراعة التي خرج علينا وزيرها مؤخراً وخلال حفل تدشين مرصد السلع الغذائية الأساسية في غرفة التجارة والصناعة في الرياض ليقول: "إن زيادة الطلب على لحوم الدواجن ناتج عن زيادة أسعار اللحوم الحمراء، وإن متوسطي الدخل لم يعد بمقدورهم شراء اللحوم الحمراء؛ بسبب ارتفاع أسعارها لذلك توجّه الناس لشراء لحوم الدواجن نظراً لانخفاض أسعارها مقارنة بالحمراء". ولا أدري إن كان الوزير قد أشار إلى دور الوزارة في علاج هذا (الجنون) بإنشاء مشاريع تزيد من معدلات إنتاج اللحوم الحمراء.. والبحث عن مصادر لاستيرادها بأسعار معقولة مقبولة بالتنسيق مع وزارة التجارة؟.. أم أن دور هاتين الوزارتين بات يقتصر على وصف الظواهر التي تحدث في السوق وتأكيد ما يتنبأ به الخبراء الاقتصاديون من ارتفاع في الأسعار. وإذا كنا نتفق مع معالي الوزير على صعوبة إتباع الدول سياسات تحديد الأسعار، على اعتبار أنها غير مقبولة عالمياً، إلا أن ترك الأمور للتنافس بين التجار لا يمكن أن يخدم المستهلك في ظل المبالغة في تحديد هامش الربح وانتشار ظاهرة (احتكار القلة) رغم كل تلك التسهيلات الكبيرة الممنوحة للتجار. يا معالي الوزير ربما يبدو اقتراحك بضرورة الدعم الحكومي للسلع مقبولاً، ولكنه بكل تأكيد لا يمكن أن يوضع في مقدمة الحلول دون أن يكون هناك تحر من عدم وجود مبالغة في تحديد الأرباح من قبل التجار.. إن المبالغة موجودة وأسبابها معروفة.. وآثارها مدمرة، حيث ستؤدي موجة الارتفاع في الأسعار كما يؤكد بعض من الخبراء الاقتصاديين إلى اضمحلال الطبقة المتوسطة في المملكة بشكل حقيقي حيث باتت اليوم تشكل ما نسبته 30% فقط من المواطنين، بينما تشكل 60% في دول العالم التي تشابه ظروف المملكة من ناحية دخل الفرد. وتحتل الطبقة المتوسطة أهمية كبرى في المجتمع، ولا بد من المحافظة عليها، لأنها مصدر الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمجتمع، وهي دعم للاقتصاد والمحرّك الأساسي له كون من يمثلها هم أفراد الطبقة الكادحة والعاملة والمنتجة والمستهلكة. إن الاعتماد على الأرقام والإحصائيات التي تظهرها المؤسسات الدولية كالبنك الدولي والصندوق الدولي وغيرهما من المؤسسات وذلك حول متوسط دخل الفرد السعودي غالباً ما تفتقر إلى الحقيقة، حيث إنها لا تعكس واقع القدرة المالية للأفراد، وإنما هي مؤشر لارتفاع الدخل الحكومي وليس دخل الفرد.