|

رؤية 2030 آفاق عالمية للرياضة أرقام وإنجازات





د. محمد باجنيد
فلورنسا.. و(مستر بن) الإيطالي
2012-10-26

ما زلت في إيطاليا وأحدثكم اليوم عن (فلورنسا) المدينة الإيطالية الشهيرة بالفنون.. ذهبت إليها برفقة (المدام) للنزهة والتسوق ثلاث مرات لأنها لا تبعد عن (بيزا) سوى ساعة واحدة بالقطار.. وفي رحلة بـ (حافلة السياحة) تجولنا في تلك المدينة الرائعة المكسوة بالخضرة في تناسق فريد، ويمر من وسطها نهر (أرنو) الذي يقسمها إلى واديين.. وفي فلورنسا أنهار أخرى صغيرة جميلة.. وحين تسير في شوارعها وتتأمل مبانيها وأشجارها ووتلالها ـ تشعر أنها مرسومة بريشة فنان.. ولن يكون للعجب مكان في هذه المدينة الساحرة.. إنها مدينة الفن التي أخرجت للعالم المصور والرسام الكبير ليوناردو دافنشي والنحات الشهير مايكل أنجلو.. ولا بد أن (فلورنسا).. هذه الحسناء الإيطالية قد أنجبت فنانين آخرين مبدعين.. تلونت أعينهم بجمالها.. ليرسموا صورة وجهها الجميل الذي لا (يترهل) بل يزاد نضرة مع مرور السنين.. يخرجونها من أرواحهم لتكون شاهداً على عشق الإيطاليين للفن ووفائهم له.. كان يحيى باجنيد ـ أستاذي الذي علمني أن للكلمة طعم ولون ورائحة وملامح ـ يحدثني عن (فلورنسا) وأهلها.. نعم ذهب أبو أيمن قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاماً إلى هذه المدينة العريقة الأنيقة لاكتشاف ما في داخله من فنون جميلة.. إلتحق بأكاديمية الفنون الجميلة بمدينة الفن والجمال الإيطالية.. عاش مع القوم ليس أربعين يوماً.. وإنما ثلاث سنوات حتى بات يتحدث لغتهم ويفهم ثقافتهم.. وحين عاد..كان معجباً بطيبتهم وبساطتهم ولباقتهم.. وقد وجدت كل ذلك عندهم حين زرتهم.. وقد تحدثت في مقالين سابقين عنهم وعن مدينتين سياحيتين من مدنهم الجميلة.. تحدثت عن (بيزا) وبرجها المائل وناسها، ثم رحت أرسم لوحة بالكلمات لـ (فينيسيا).. المدينة العائمة.. مدينة الحب والفن.. وفي كل مرة كنت أصف الناس لأنهم يمثلون ثقافة البلد وخصائصه التي تبقى في الذاكرة أكثر من المكان.. إنها من تلون المكان وتضيئه وتمنحه الإحساس.. وها أنا اليوم أواصل رصد بعض صور لهذا الإيطالي الذي أثارني.. وحرك رغبتي للكتابة بشهية (البيتزا) الايطالية التي لا يمكن أن تقاوم رائحة جبنتها وزيت الزيتون المعجونة به وذلك النبات العطري الذي يميزها.. لن أواصل الحديث عن مكوناتها حتى لا يسيل لعابكم. تعالوا أحدثكم عن (مستر بن) الإيطالي.. ذلك الذي وضعته في عنوان هذا المقال.. إنه صورة أخرى فريدة للطيبة والعفوية التي يتمتع بها (الطليان).. إلتقيته في القطار.. شاب إيطالي يدرس الطبخ في مدينة (بارما).. يشبه كثيراً في صورته وشكله ذلك الممثل الإنجليزي الشهير (مستر بن).. كان (مستر بن) الايطالي يجلس قريباً في المقعد الموجود على يسارنا.. بدا مهتماً يسترجع بعض دروسه وهو ذاهب إلى (بيزا) لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع عائلته.. ولكن إسماعيل ـ ابني الصغير صاحب الثلاث سنوات ـ لم يمنحه تلك الفرصة.. ذهب إليه وأخذ يشاكسه بسيارته الصغيرة التي كان يحملها في يده.. يمررها على مقعده قبل أن ينتقل إلى (بنطلونه) لينفجر (مستر بن) الصغير ضاحكاً.. ثم أخذ يلاعب إسماعيل الذي وجد ضالته فيه.. راح يحدثه بالعربي.. وطالب الطبخ (مستر بن) الصغير يرد عليه بالإنجليزية التي كان يجيدها بحكم الدراسة.. يفعل ذلك حتى نفهم ما يدور بينه وبين إسماعيل في ذلك الفصل الممتع على مسرح القطار.. بلغتين مختلفين كان الانسجام واضحاً بين إسماعيل وذلك الشاب الإيطالي الخطير.. بلغة العيون والأيدي والآذان وبتحريك الوسط بل وحتى الرجلين.. كان العرض مدهشاً مضحكاً.. استمتع به كل من كانوا قريبين من مقاعدنا.. وحين أوشك القطار على الوصول إلى المحطة الأولى لـ (بيزا) وهي المحطة التي كان صاحبنا يريد النزول بها.. قلت له: يبدو أن الايطاليين يجيدون (لغة الجسد).. رد علي وهو يهز رأسه مؤكداً: نعم هذا صحيح.. أنظر إلى الايطالي وهو يتحدث في الهاتف وسيتأكد لك أنه يتكلم كثيراً وبسرعة كبيرة ويتفاعل مع الكلام الذي يقوله وترى أثر ما يسمعه على عينيه وحركة يديه ورجليه.. ثم أشار بيده عالياً وقال بلغته الإيطالية: (تشاو).. قال إسماعيل: (تشاو) أما أنا فقلت له: (قراتسي سنيوري).. ابتسم (مستر بن) وأدار ظهره وهو يلوح بيديه حتى اختفى.