تمر بك الدنيا في لحظات مفاجئة لتذكرك بمقولتها الشهيرة القاسية. هي الدنيا تقول بملء فيها حذار حذار من بطشي وفتكي. وتأتي عليك أيام تبتسم لك الحياة وتشعر أنك ملكت الدنيا بحذافيراها ولا ترى فيها إلا الحب والتفاؤل والبهجة والسرور فيكون صباحك مضيئا مشرقا، ومساؤك يحيط بك في زرقة البحر وقرص الشمس المتوهج المقترب من المغيب فترى الحياة وسعادتها وتقول إن الله عز وجل عرف معاناتك وأياما قاسية مررت بها فأراد أن يعوضك ويعطيك أوقاتاً جميلة من الفرح والحبور الجميل والصفاء الممتع واللحظات الهانية الرائعة حتى تشعر أنك قد حلقت بالآفاق وأن هذا هو أجمل وأروع ما تتمناه. وعندها تردد أن يحفظ الله هذه الأيام وهذا البشر الجميل من منغصات الحياة وحسد الحاسدين وكيد الكائدين. لكن الله خلقنا وقدر علينا المصائب ليبلونا أينا أحسن عملا وأكثر صبرا وأن الحياة ليست إلا دار ممر وأن السعيد من عرف بطشها وفتكها وأن الاغترار بها يفقد الإنسان بصيرته ويتكل على رغباته وأهوائه ومتعه. ولهذا عندما تأتيك المصيبة وتكون قادرا على التوازن وكشف مكنونات النفس وسبر أغوارها بحيث يكون التجلد هو ديدنك والصبر هو صنيعتك والإيمان بالقدر خيره وشره هو قوتك التي تتعامل فيها مع مصيبتك وتردد قدر الله وما شاء فعل، وقل لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا، وحسبي الله ونعم الوكيل، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، فهو الطريق الأسلم للتعامل مع الأزمة بكل عقل وحكمة وروية وتبصر وأناة وهدوء وحسن تصرف بعيدا عن الطيش والحماقة وحب الذات. لكن الدموع غالية والإحساس بالألم كبير وعنصر المفاجأة الذي قلب الوضع بشكل غريب يجعل التأثر كبيرا والصدمة موجعة إذ كيف يتحول الوصال والبشر والسعادة والهناء وراحة البال والطمأنينة والحب إلى فراق ووداع ودموع ونهاية حزينة موجعة. ولهذا تذرف دموع الألم وأنت لوحدك مع آهات الحسرة والضيق واللوعة، بينما تغالبها عندما تكون في العلن أمام الناس إلا ما أجبرت عليه إجبارا فتنزل الدموع لأنك لا تملك أن تمنعها. عندها تؤمن بأن المواقف القاسية في هذه الحياة تحول أجمل مافيها إلى ذكريات لا يملك أحد أن يمنعنا من الخيال والعودة إلى جمالياتها الرائعة. ذلك أن الطعنة قوية في صدرك والألم شديد لاتمحيه الأيام ولا السنون ولا كل لحظات العمر فتأمل عند ذلك فقط بكل إيمان وثقة أن يكون الوعد ربانياً، وأن يكون اللقاء في الجنة بإذن الله تعالى.