ما هي أخبار طابور الصباح؟.. ذاك التقليد المعروف.. كان في أيامنا أشبه بنظام (عسكري)، على اعتبار أن عليك أن تلتزم فيه بانضباط عال.. يتجاوز مسألة ضبط (النفّس) إلى كتم (الأنفاس). في ذاك الزمن القديم.. كنا نقف في الطابور ويمر علينا المعلم ليبحث عن أصحاب الشعر الطويل والأظافر الطويلة.. ولم تكن رؤوسنا وقتها تشهد مثل ما نراه اليوم من أشكال التسريحات العجيبة الغريبة.. كنا لا نعرف سوى (التوليتة) أو (التوريتة) كما يسميها حلاق الحارة الذي كنا أيضاً نخشاه مثل ما نخشى المعلم المفتش في الطابور.. وللخوف من الحلاق أسباب، بعضها يتعلق بالسلامة، وأخرى لها علاقة بالمظهر، فما أكثر ما جرحنا موسه ومقصه، وما أكثر ما خرجنا من بين يديه (الجريئتين) والحزن يعتصرنا على تلك الصورة المشوهة التي أظهرتنا بها (التوريتة).. ومع ذلك لم تكن تلك القصة القصيرة الشهيرة تعجب المعلم ويصر على أن رؤوسنا بحاجة إلى تخفيف أكثر.. ولا يكون الحال أمام ذلك الصلف المنتهي بالتقريع (الغليظ) والضرب (المبرح) سوى أن (تخضع) تلك الرؤوس الذليلة من جديد لموس الحلاق يزيل ما بقي فيها من شعر.. وليت الأمر وقف عند شعر الرأس فقد بلغت الإهانة مداها فأخذت الكفان والقدمان نصيبهما من العصا بعد أن منح الأجداد لحوم الأبناء والأحفاد لأولئك المعلمين الأفذاذ ليتفننوا في العقاب فيظهر من بينهم الأستاذ (حسنين النجار) الذي كان يضرب بـ (المطرقة). ذاك زمن ولى.. كنا نظن أن ريح الحضارة والوعي والتطور قد ذهبت به وبأبطاله قبل أن استمع قبل أيام لقصة أحمد طالب الصف الأول متوسط.. يقال أن أحمداً قد وصل متأخراً قليلاً إلى المدرسة.. حضر بعد أن دخل الطلاب إلى الفصول ولم يتمكن من اللحاق بطابور الصباح.. فكان العقاب في انتظاره.. قال له المعلم المفتون بالعصا.. المحروم من الضرب بقرار وزاري: أنت يا أحمد مثل السلحفاة تصل متأخراً إلى المدرسة.. ولأنك كذلك سأجعلك تدخل إلى الفصل (حبواً) مثل السلحفاة.. ولم يكن أمام ذلك الفتى الصغير المسكين سوى أن يستجيب رغم أنه ليس مسؤولاً عن التأخير لأن أباه هو من يأتي به إلى المدرسة.. نزل أحمد على ركبتيه ومد ظهره إلى الأمام ووضع كفيه على الأرض وسار إلى داخل الفصل محاولاً بكل ما أوتي من قدرة أن يحاكي مشية السلحفاة ليرضي رغبة معلمه الذي أراد أن يجعله (مسخاً) أمام أنظار أقرانه الذين كانوا أشبه بقطيع من الأغنام ينظرون إلى (سكين) الجزار. الطالب السلحفاة عنوان مثير قد يوحي بدروس تربوية مفيدة تسهم في بناء التوجهات الإيجابية للطلاب لحثهم على الجد والاجتهاد في المدرسة، لكن حكاية أحمد التي حملها العنوان تمثل قضية تعدٍ (واضح) واضطهاد (فاضح) يسهم في استمرارية تشكيل أجيال من العاملين مسلوبي الإرادة.. وجلون.. ينفذون.. ولا يناقشون.. وهكذا يريد أكثر المدراء الأفاضل.