حضر عالم أجنبي للرياض لإلقاء محاضرة عن إحدى نظرياته الجديدة. نظر للحاضرين فرأى في عيونهم حقدا غريبا وجوعا أبديا للتقليل منه. كانوا يتابعونه بحرص ودقة لا ليستفيدوا من رصيده العلمي ولا من خبرته ولا مؤلفاته التي تفوق عدد الحاضرين ولكن ليتصيدوا أخطاءه. عندما انتهى من حديثه وفتح باب الأسئلة لم يُسأل سؤالا واحدا بل إن كل ما قيل مجرد تعليقات سلبية لإثبات أنهم يفهمون أكثر منه. لدينا مشكلة كبيرة في كل المجالات وليس في الرياضة فقط وهي أننا (ما نشوف أحد شي). فما يحدث في مدرجاتنا وما يحدث على صفحات تويتر وفيسبوك امتداد لما يحدث في حياتنا اليومية. فنحن نحتقر الأفارقة والآسيويين والأوروبيين والأمريكان والعرب والخليجيين والنساء والأطفال. بل إننا نحتقر بعضنا، فالشمالي يحتقر الجنوبي والجنوبي يحتقر الشرقاوي والشرقاوي يحتقر الحجازي والحجازي يحتقر النجدي والنجدي يحتقر الجميع. سلسلة لا تنتهي من الاحتقار. ننظر للإنسان الذي أمامنا من رأسه إلى قدميه نبحث عن شيء أي شيء ننفذ منه للتقليل من قيمته وإنسانيته وكرامته، وكلما ازداد هذا الإنسان نجاحا كلما ازددنا اجتهادا في مهاجمته والنيل منه. المسألة ليست مسألة لون ولا عرق ولا ناد منافس. المشكلة تكمن في جبال الحقد التي تسكن قلوبنا فتزين لنا السب والشتم والاستخفاف بالآخر. المشكلة في الآباء الذين يغرسون في أبنائهم فكرة التقليل من كل البشر، فيخرج الشاب من بيت أهله معتقداً أنه الأفضل لا لأنه مخترع أو مؤلف أو مبدع، بل لأنه من تلك العائلة أو القبيلة أو المدينة. فوالدته توشوش في أذنه كل صباح إن مشيه على الأرض شرف للأرض وأنه لا يحتاج لفعل شيء لا لنفسه ولا لعائلته ولا لمجتمعه، لا يحتاج إلا لرفع رأسه بتعال والنظر للآخرين باحتقار، إنه المنتج الوحيد الذي يقدمه للمجتمع بكل فخر. كان يشاهد برنامج الثامنة وهو (منسدح) ويضع قدما على (مركى) ويتكئ بكوعه على المركى الآخر. قفز من مكانه فجأة فتطاير(قشام الحب) الذي كان يُخفي لون ثوبه الأبيض ثم صرخ بأعلى صوته "والله ماعندك إلا البربرة يا داوود".