ليس في الزمن البعيد.. قل قبل ثلاثين عاماً على الأكثر.. كانت (الأنثى) حكاية الرجل.. يرويها باندهاش منذ أن أدرك أنها تختلف عنه.. وقد كانت مختلفة.. سر جاذبيتها في ذلك الوصال العصي.. لا بأس أن تعيش على الأحلام تضع قصتها تحت (المخدة)، وتنام لتستيقظ والحلم باق.. والأمل يحملك على أن تتزين.. تترقب لحظة الوصال!.. كم هو لذيذ هذا الخيال!.. هناك في الطائف وقفت فتاة (مجنونة) تطل من (البلكونة).. تنظر إلى البعيد.. لم تكن تنتظر تلك الحشود التي جاءت لتراها وهي حاسرة الرأس.. تمنح شعرها (إجازة) الحرية ليغطي وجهها تارة ويكشفه تارة أخرى، والعيون الشاخصة صوب (البلكونة) يصيبها (الكسوف)!.. مساكين عيال الحارة.. شيء جديد.. إنها فتاة الأحلام لكل تلك الجماهير الغفيرة.. لو عرفوا اسمها لهتفوا لها كما تهتف جماهير (العميد).. دون حتى أن تسألهم: بتحبوا مين؟.. سنراهم يرددون اسمها بلهفة، وربما وقع بعضهم صريعاً (من أول نظرة)!.. ما علينا.. بل علينا.. اليوم أصبحنا نرى المرأة شيئاً آخر غير ذلك الذي كنا نعرف.. باتت تمتلك خصائص هي أقرب لتلك التي يملكها الرجل.. أرادت أن تتحول.. أو أرادوا لها ذلك.. أو أن الظروف أجبرتها على ذلك.. المهم أنها لم تعد ذلك الاندهاش الذي يبحث عنه الرجل.. ربما لأنها نزلت من (البلكونة) لتتعرف عليه أكثر.. خدعوها فقلصت المسافة، وبدأت تفقد تدريجياً سلطتها على العقل كلما تقدمت إلى الرجل.. كانت صورة خالية من العيوب.. إنها إذا تأثيرات المسافة.. تترك مجالاً للعقل لكي يقنع القلب ليرسم الصورة كأجمل ما يمكن أن تكون! نزلت من (البلكونة) وها هي تشكو له وحدتها وحاجتها رغم أنها مثله تملك ما يحتاجانه ليعيشا.. لم تكن تلك مسؤوليتها.. لكنها اليوم لا تمانع في أن تتحملها من أجل أن يأتي فيصبح للبيت وللمال وللحياة معنى.. نزلت من (البلكونة) فهل يا ترى كانت (مجنونة).. ليست هناك أية تقارير تشير إلى جنون أصابها.. إنها أكاديمية واعية مثقفة.. لم يسمع أنها زارت الطائف وذهبت إلى (شهار) تحديداً.. لم تكن أبداً كتلك التي كانت تطل على عيال الحارة من (البلكونة).. نزلت من البلكونة فقالوا عنها (مجنونة)، فيما بقيت فتاة (البلكونة) حلم الرجل لأنها ظلت محافظة على تلك المسافة التي تمنحها اهتمامه ورغبته واندهاشه!