عقود من العمرمرت ، ومحطات تتابعت كأنها فيلم سينمائي، لا تصدق كيف عبرت بهذه السرعة؟ وبقيت منها الذكريات، وصدى السنين الحاكي، ودمعات تسقط منك بدون أن تشعر. عندما تذكر محطات عمرك وماحفلت به من أفراح وأحزان ومشكلات وطموحات وتحديات وعصامية ونبل وقيم، ومكائد وأرباح وخسائر مرت كالبرق دون أن تتأملها وتتعمق في دهاليزها والآلاف من الأشخاص الذين عشنا معهم وعاشوا معنا ،واقتربنا منهم وابتعدوا عنا ،فبقي من بقي، ورحل من رحل في هذه الحياة العجيبة .أما عندما تعود للسنة الأولى من العمر فأنت ذالك الطفل الذي عاش طفولة وسط مشاكل أسرية ثم في العشر سنوات أنت في تلك المدرسة الطينية ،وبواكير النهضة التي يمر بها وطنك، فذهب الطين وجاءت المباني الزجاجية والعمارات الشاهقة والقصور الفخمة .وأنت في العشرين شاب يكافح من أجل لقمة العيش تعمل في كل المهن الممكنة ،من طالب وصحفي وسائق أجره وقارئ عدادات يدفعك الطموح إلى مستقبل مشرق وفي الثلاثين تناقش رسالة الدكتوراه في بلد أجنبي لتعود بالمعرفة والعلم لخدمة دينك ووطنك وفي الأربعين أنت ذلك الحريص في عمله الذي أدمن العمل فلا فرق عنده بين يوم الجمعة ويوم السبت،ولا يعد الساعات فهو دائب في الليل كدأبه في النهار. أما في الخمسين فهاهي قيمك ومبادؤك تضعك في مكان تسأل نفسك :هل فوت الفرص أم أنك قانع بما حققت؟وغيرك اهتبل الفرص، بغض النظر عن الأخلاق والقيم .وهنا عند محطة الخمسين أبكتني قصيدة الأنسان الشاعر والأديب والمثقف الفنان المرهف الحس الدكتور عبدالعزيز خوجه عندما عبر السبعين يناجي ربه في حوار فلسفي عميق يعود بنا إلى قصائد أمهات الشعر على وزن قصيدة زهير بن أبي سلمى إحدى روائع الشعر العربي وإحدى معلقاته حيث يقول زهير . سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبالك يسأم وأعلم مافي اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم مافي غد عم رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم ومن لم يصانع في أمور كثيرة يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم . أما شاعرنا وأديبنا الكبير عبدالعزيز خوجه فيقول . أني لقيتك ياسبعون مبتسما راض بما قد مضى راض بما قسما لم أشك من نصب قد مر بي حقبا ومابكيت على عمر قد انصرما. ثم تعود به ذكراه إلى أيام الخطأ والزلل فهو شاعر مرهف القلب ومحب للجمال والحياة ونال أعلى المناصب لكنه ظل ذلك الأنسان الشفاف الأبيض الصادق النقي المبتسم حيث يقول. أواه كم حملت سبعون من زلل كم يرحم الله من ذنب وإن عظما رباه أني على الأبواب ملتجئا مالي سواك تقبل عبدك الهرما لم يبق في القلب لا ليلى ولا رغد أما روان فماراعت لنا ذمما. إني سهرت الليالي في الهوى أثما أصدق الزيف وعدا كان أو قسما أكلما قلت انسى صرت أذكره وصاح شوق قديم فز واضطرما كأنه في خلايا القلب مسكنه أهواه إن عدلا أهواه إن ظلما. ويضيف بشكل مبدع عن كيفية مرور الزمن بقوله. سبعون مرت بمافيها كثانية أوراقها سقطت والغصن ماسلما لكنها في سجل الله قد كتبت أحصى دقائقها ماجد أو قدما. وهي فعلا معلقة من روائع الشعر تستحق القراءة والدراسة والتحليل وقد يراها بعض القارئين طويلة، لكنها قصيرة عندي لجودتها وإبداع صاحبها وصدقه وصفائه.