هو شارع في كوالالمبور.. يدعى (شارع العرب).. وللعرب في ماليزيا ـ كما في غيرها من دول الشرق الآسيوي المسلم ـ مكانة عظيمة صنعها نبي كريم جاء برسالة الإسلام ليهدي الناس من الظلمات إلى النور، وسار على نهجه واستن بسنته صحابة كرام.. حملوا لواء الدعوة إلى الله ونشروا الإسلام في كل أرجاء الأرض، فساد العدل وعم الخير.. وشهد المنصفون من غير المسلمين بقيمة المسلم ذاك العربي الذي ترك الجهل واستثمر طاقات القوة والخير ليجود ويسود. "لم يعرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب المسلمين".. عبارة أثيرة منصفة قالها المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون في مقدمة كتابه "حضارة العرب".. ورغم تبدل الأحوال وتراجع المسلمين وخسارتهم لبلاد فتحوها في الهند وفي السند وفي أسبانيا.. رغم سقوط الأندلس، ذهب فاتحون جدد لم يكونوا يحملون سيفاً ولا يعتلون منبراً.. كانوا (رُحالاً) يضربون في الأرض بعد أن ضاقت الحياة بهم في بلادهم.. خرجوا من (حضرموت) إلى أندونيسيا وماليزيا والهند.. ذهبوا إلى أفريقيا.. عُرفوا بالأمانة فأحبهم الناس، وراحوا يسألون عن مصدر هذا الخير، فوجدوه في الإسلام.. فانتشر الإسلام هناك بأخلاق المسلم.. بتعامله الحسن و(الدين المعاملة).. المساجد في كوالالمبور العاصمة الماليزية تعج بالمصلين في شهر الخير.. البلاد تظهر وجه الدولة المسلمة ولكنها اليوم تبدو أكثر تأثراً بهذه التعددية الثقافية التي باتت تنال من قيمتها الإسلامية عبر مظاهر للانحلال لا تخطئوها العين ويندى لها الجبين، والمصيبة أنك تراها أكثر سخاءً في (شارع العرب).. لماذا شارع العرب؟.. لأن العرب.. عفواً بعض العرب يريدون ذلك.. ولذلك فقد جروا ليس فقط أولئك الوثنيين والملحدين من الصينيين والهنود إلى تجارة الرذيلة؛ بل أغروا أبناء أولئك الذي هداهم الله على أيدي العرب التجار إلى دخول مستنقع الرذيلة فتاجروا فيها وراحوا يوفرون للقادمين الجدد ما يشبع شهواته.. شتان ما بين مهاجري الأمس واليوم.. ولكن الخير في أمة محمد إلى قيام الساعة.. لا تذهب إلى (شارع العرب) في المساء حتى لا يُشتبه في أمرك.. وتجد من يدعوك إلى (ليلة حمراء).. حاولت أن أبتعد وصديقي الذي كان معي، ولكن اصطادنا أحدهم رغم أننا كنا في نهاية الشارع.. كان مسلماً مثلنا.. عرض على صديقي بضاعته التي يبحث عنها (عرب) شارع العرب.. فالتفت إلي وشكى لي ما يفعله هذا (الشقي).. كنا للتو في المسجد مع إخوة كثر نصلي القيام في ليلة من ليالي العشر الأواخر من رمضان.. الشيطان ومردته مسلسلون.. وشياطين الإنس يهيمون.. دخلنا في حوار.. شكوت له ضعفي وقلة حيلتي وحاجتي التي لا تنتهي إلى الله الذي خلقنا ورزقنا ومنحنا العقل لنطيعه ولا نطيع الشيطان.. نظرت إليه فإذا في عينيه حرقة.. سكن كل شيء في داخله.. توقف شيطانه عن دعوتنا إلى النار.. استيقظت فطرته.. غرق في بحر عينيه.. كنت أنا (القشة).. تركته وعاهدت نفسي أن آتي بسفينة (نوح).. هناك ليس فقط في (شارع العرب) يرتفع موج الغواية في بحر متلاطم.. وما أسعد من يكون (قبطان) النجاة.. يا معشر العرب.. يا أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.. يا أمة محمد.. شارع العرب لا يليق بنا.