كل شهر يقبل إسحاق وإخوته الثلاثة على بيت هذه المرأة المحسنة ليأخذوا مبالغ مخصصة لكل واحد منهم، إضافة إلى مبلغ آخر لأمهم وأختهم الكبرى. منذ أكثر من ثلاث سنوات وذلك اليوم من كل شهر أضحى يوم السعد لتلك الأسرة التي رحل عنها عائلها بعد مرض مفاجئ وقد كان يعمل سائقاً لدى هذه المرأة قبل أن أن تتدهور صحته ويأخذه الموت وهو في الخامسة والعشرين. لو تأملت وجه إسحاق وإخوته وهو يشع بالبشر ويتلألأ بالرضا لأدركت الوجه الآخر للسعادة.. بل وجه السعادة الأجمل.. إنه العطاء أيها الممسكون. وحين يكون هذا العطاء يتجاوز حد سد الحاجة الآنية إلى كفالة كاملة لأرملة وأيتام صغار فقدوا حنان الأب وباتوا في عوز يبحثون عن بيت يؤويهم وطعام وشراب وكساء.. حين يكون العطاء عبر هذا الباب الذي تسكن خلفه مدن للبؤس وللفقر؛ عندها يكون الجزاء عظيماً.. مبهراً.. مفرحاً حد البكاء.. كيف لا ونحن نقرأ ونسمع ونفهم هذا الكلام المحكم شرعاً.. البين قولاً.. حديث رسول الله: (أنا وكافل اليتيم كهاتين).. أمعن النظر إليهما.. هذان الأصبعان الوسطى والسبابة.. أتأملهما.. أبحث عما يشبههما تقارباً والتصاقاً.. أعجز، فأعود إليهما أستخلص منهما روعة ذلك الوعد.. أمعن النظر في قيمته التي لا تحد.. وهل هناك من نعيم أكبر وأجمل وأبهى من أن تكون في معية سيد الخلق؟.. في تلك الدار التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؟ ترى من يستطيع أن يحول بينك وبين هذا الأنس الذي يغمرك وأنت في شدة الاقتراب والالتقاء والتلازم (كهاتين).. تهنأ في صحبة ذلك النبي المبارك صاحب الحوض المورود، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، والقلب الأطهر؟ (أنا وكافل اليتيم كهاتين).. شمّر لها المشمرون.. وتكاسل عنها كثيرون ممن آثروا المحق على البركة.. حين ركنوا للجمع ظناً منهم أنه الطريق الى الاستزادة.. أتراهم لم يعرفوا أن المال لا تنقصه الصدقة؟.. أتراهم لم يسمعوا قول المصطفى: (ما نقص مال من صدقة.. بل تزده.. بل تزده.. بل تزده)؟ بالصدقة نشتري الخير.. إنها تغسل الخطايا وتكفر الذنوب وتقي مصارع السوء.. تطهر النفس وتزكيها.. يُداوى بها المرضى، ويأنس بها الموتى. وحين تخصص لأفضل الأعمال ككفالة الأيتام يكون الجزاء صحبة لرسول الله في جنة الفردوس.. تعيش معه النعيم المقيم كهاتين. من بركات العشر: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ـ يعني أيام العشر ـ قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلاّ رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء" (رواه البخاري).