|


د.تركي العواد
عيدكم..
2013-10-16

في العيد، أحن للماضي ويجذبني عطره القديم. أتراجع وأطرد هذا الحنين لأن الحاضر عندي أحلى. فالماضي رغم أنه جميل ببراءته وبساطته وطيبته الساذجة إلا أنه لا يشجعني للارتماء في أحضانه. فاليوم وعلى المستوى الشخصي أشعر بأني أسعد من أي وقت مضى. حتى على المستوى الأكبر أعتقد أننا نعيش أفضل أيامنا. دون شك، لدى كل واحد منا ما ينغص عليه حاضره ويجعله يهرب للماضي ولو بخيالاته. رغم أنني أتمنى تغيير أشياء كثيرة في الحاضر لتكتمل سعادتي ولكني لن أقايض الحاضر بأي زمن آخر. أحب في الحاضر حقيقة أننا نعيش في انفتاح لم تشهد له المملكة مثيلاً. فالسعودية اليوم انفتحت على العالم سياسيا واقتصاديا وثقافيا وفكريا بشكل يدعو للفخر. لم نعد نعاني العزلة التي عانيناها عندما كانت المملكة دولة ناشئة تخاف من الافتتاح على العالم. فأصبحنا اليوم جزءا مهماً من العالم نؤثر ونتأثر ونتفاعل ويُسمع صوتنا. أكثر ما يعجبني في الحاضر هو ترابطنا الساحر مع بعضنا. فلو ُطلب مني الحديث عن منتج سعودي واحد أفخر به لقلت دون تردد الترابط الاجتماعي. من الصعب أن تجد مجتمعاً يقف أبناؤه مع بعضهم وقفة رجل واحد مثل المجتمع السعودي. لا نعرف قيمة هذا الترابط ولا أثره إلا عندما نحتاجه في أوقات الفرح أو الحزن أو الشدة حينها سنجد ألف يد ويد ممدودة تنتظر بلهفة مصافحتنا. في مقابل ما أحبه وأتمنى استمراره، هناك أشياء أتمنى زوالها ليصبح الحاضر أحلى. أكثر ما يغيظني في السعودية والرياض بشكل خاص الجرائم المنتشرة في شوارعنا. فلا تكاد تخرج للشارع دون أن يُعتدى عليك من غير سبب. فالشباب الذين يجوبون الشوارع بالآلاف لا تأخذهم الرحمة بأحد. فيعتدون باللفظ والإشارة على كل من يقف في طريق سياراتهم المنطلقة كالرصاص. قد يصدمون سياراتك من الخلف لتأديبك أو يرمون عليك علبة بيبسي أو يوقفونك بالغصب لجلدك أمام الناس. أو يضربونك بعصا على ظهرك كما فعلوا مع أحد أعضاء قروب “دراجتي”. لا يحترمون شيخاً ولا قاضياً ولا معلماً ولا رب أسرة مع أطفاله. ما أريد تغييره أيضا بكل ما أوتيت من قوة هو الرجل (الذيب) الذي أصبح ظاهرة في مجتمعنا. هذا الرجل يمكن أن يفعل أي شيء ليصبح غنياً بغض النظر عن الضحايا، معتبرا ذلك شطارة (وفهلوة). لا يجد حرجاً في الاستيلاء على ممتلكات الدولة والناس، فالذيابة تعطيه الحق في التصرف دون أي اعتبارات دينية أو أخلاقية أو إنسانية. هذا الذيب هو من جعل الأراضي في السعودية أغلى من موناكو. وهو من جعل سعر الشغالة يصل لثلاثين ألف ريال. وهو من جعل تكلفة الحج لبيت الله أغلى من الزواج. قبل ما أمشي: رحل والدي فكبرت عشرين عاما وتوقف الطفل الذي في داخلي عن الذهاب للمدرسة. إذا كان والدك بجانبك فلا تنس تقبيل رأسه ويديه فسيأتي يوم ويرحل وتتمنى أنك قبلته أكثر.