تتغير الأمور .. وتتبدل الأحوال .. تتلخبط الأوليات وتصبح الأمور الثانوية أكثر أهمية. نحن ملوك الأولويات المقلوبة. فنحن نشتري سيارة بخمسمائة ألف ونحن نسكن في شقة مستأجرة. نشتري آي فون 5 ونحن لانستطيع تسديد الفاتورة. رغم تعودنا على ذلك إلا أننا ذهبنا بعيدا هذه المرة. لانريد بطولة .. أنت بطولتنا .. بقاؤك أطول وقت ممكن هو بطولتنا .. يبدو أنها بطولتنا الوحيدة.
تذكرت فيلم لتوم هانكس أثناء الحرب .. جاءته أوامر عليا بأن يترك كل شيء هو وفرقته ويتفرغوا لمهمة جديدة .. ليس لها علاقة بالحرب ولا بالانتصار .. ابحث عن جندي ضائع وأعده لأمه التي فقدت كل أبنائها في الحرب ولم يبق من ذريتها إلا "راين" .. لم يكن للجندي أية أهمية .. ولكنه الآن كل الأهمية .. إنقاذ الجندي "راين" هو الأولوية. مهمة عاطفية بحتة أبعد ما تكون عن دموية الحرب الدائرة.
اختلفوا تشاجروا .. ليس ما جاءوا لأجله .. تفرقوا .. هددوا بالانسحاب من الحرب ولكن قائدهم أقنعهم بنسيان الحرب والعدو .. بنسيان الانتصار والانكسار فلا شيء يعادل إنقاذ راين وإعادته للوطن سالما غانما حتى لو خسروا كل شيء.
خسروا كل شيء بالفعل.. مات أغلب أعضاء الفرقة ومات القائد ولكن الأوامر لاتموت .. وبقي البحث عن راين كل الحكاية .. ولأن لكل حكاية - مهما طالت - نهاية فقد تم إنقاذ راين وعاد لأمه لايشتكي إلا من التضحيات التي قدمت من أجله.
اعتقدت لزمن أن خيال الكاتب زين له مازين له. فلا يمكن أن تخاطر بحرب من أجل جندي. ولكن ما يحدث اليوم في أنديتنا جعلني أعيد النظر في الفيلم وأصدق أنه بُني على قصة حقيقية.
في كل مكان .. في كل جهة .. لكل مؤسسة .. "راين" الخاص بها والأولوية إنقاذه حتى لو تساقط الجميع بين قتيل وجريح. في كل ناد شخص واحد تدور حوله الأحداث في محاولة لإنقاذه. قد يكون راين رئيس النادي وقد يكون المدرب وقد يكون لاعبا عفا عليه الزمن ومهمة المهام إنقاذه.
لم تعد البطولات تهمنا ولا التاريخ يهز لنا جفناً، فهناك دائما بطولة قادمة والتاريخ .. لدينا ما يكفي من التاريخ.
لايوجد راين في فريق ويكسب بطولة. المشكلة إن الأندية تكابر وتكابر .. تسير على الطريق الصحيح وإن التصحيح قريب .. مع قليل من الحظ والتوفيق سيشهد الجميع النهاية وسيجدوا ما يسرهم. والحقيقة .. آه من الحقيقة .. ليس هناك صحيح ولاتصحيح .. ليس هناك طريق أصلا.
لا تحملوا الأشياء أكبر مما تحتمل .. فلست أقصد ناديا بعينه ولاشخصا بعينه .. كل ما في الموضوع أني قصدت ذلك الجندي بعينه .. ولقبه الأزرق جاء من لون عينه.