الموضوعية التي نطالب باستحضارها عند الحكم على الأمور واتخاذ القرارات لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون بمعزل عن العاطفة.. عواطفنا ـ يا سادة ـ محركات تصنع المعجزات متى ما أمسكنا بزمامها ووجهناها بمهارة. كم من الأعمال أفسدتها العاطفة ـ حين ترك لها الميدان لتصول وتجول ـ وكم من الآمال لم تر النور حين خلت منها!
في العلوم الإنسانية هناك مصطلح فريد.. يلوكه المنظرون اليوم بشهية.. إنه (الذكاء العاطفي).. كنا نمارسه قبل أن نراه اليوم (حاضراً) في السوق نتعاطاه ـ كما اعتدنا ـ من قبيل (الترف الفكري)!.. لم نطلب منه أن يحدد لنا اختياراتنا.. لم ندعوه ليكون شاهداً.. يقول لنا بأن من عطلوا التنمية في البلد لم تكن تحمل دماؤهم خلاياه.. تلك التي تظل تحثهم على إدراك قدرات الناس .. رغباتهم.. تطلعاتهم.. مشاعرهم .. تلك الخلايا الحية للذكاء العاطفي كم صنعت من إنجازات وأخذت بأمم لتكون في الصدارة لأنهم حرصوا على أن تكون معياراً للاختيار.. اختيار المسؤول القائد وليس المدير وهناك فرق كبير. نعم، إن أكثر ما يميز هذا القائد ـ الذي يصنع التحولات المدهشة – ذكاؤه العاطفي.. هذه السمة التي تصنع في (بيت العز) الحقيقي على يدي أم وأب.. أو ربما أخت وأخ.. ولك أن تقول خال وخالة وعم وعمة.. ولا بأس أن تبحث عن آخرين في محيط هذا القائد.. عفواً لقد نسيت الجد والجدة.. إنهما الحضن العاطفي الهادئ المليء بتجارب الماضي.. نعم في هذه البيئة التي تضم هؤلاء يتربى القائد فنراه صادقاً نزيهاً مستقيماً.. لا يزعج الآخرين بتدخلاته في كل الأمور فلا يتدخل في سير العمل إلا في حالات الضرورة.. يؤمن بقيمة الناس ويشعر العاملون معه بأهميتهم، ويعزز ثقتهم بأنفسهم.. لا يصطاد الأخطاء لا (في الماء العكر) ولا في الماء الصافي.. وإنما ينظر إليها على أنها تجارب تقود إلى النجاح.. كثيرون يقولون إن الخطأ يعلم النجاح ومع ذلك يجازون عليه بالعقاب دون إمهال!.. عجيب أمرهم.. نسميهم قادة وهم مجرد إداريين قيدوا أنفسهم بالنظام.. قدسوه ظاهراً وسفكوا دمه في الظلام.. أكثر القادة الناجحين فهموا روح النظام ولم يأسرهم نصه.. جعلوه في خدمة الناس باستثناءات تدفع لمزيد من الإنتاجية العالية.. كم من المديرين أهدروا حقوق الناس حين فقدوا السمات الأخلاقية للقيادة الحقيقية.. لم يستشعروا حاجة الناس.. لم يتفهموا مشاعرهم.. وتلك والله أهم سمات ذلك القائد النادر صاحب (الذكاء العاطفي) المبني على أسس (الأمانة) والرؤية الواضحة التي يؤمن بها العاملون ويتفاعلون معها لأنه يعيشها ويطبقها، ويتأكد من تطابق كل الأعمال مع هذه الرؤية والقيم والمبادئ التي تكتنفها.