في طريقي إلى السكن عائداً بعد أن صليت الظهر في المسجد النبوي.. كان يسير بجواري رجل مصري عرفت ذلك من شكله وكلامه.. كان يبدو لي في الخامسة والأربعين.. لا يزيد عنها.. قبل أن أعرف عمره الحقيقي لاحقاً عندما فاجأني بسؤاله: هل يعصي الله رجل بلغ الخمسين؟
قلت بلا تردد: نعم. استخرجتها من واقع نعاني منه جميعاً نحن من بلغنا الخمسين.. إقبالنا على الحياة يزداد والمعصية تأتي من تعلقنا بها.. تراكمات خبرات السنين تجعلنا أسرى لها. إن احتمال المعصية يزداد بتعدد الأشياء التي تجلب لنا المتعة فيها وبدرجة تعلقنا بها.
ها هو يعيد علي السؤال مرة أخرى مستنكراً: هل يعصي الله رجل بلغ الخمسين؟
لم تعجبه إجابتي ولم أدرك أنه يقصد نفسه يلومها على معصية الله وقد بلغت الخمسين فقلت ثورة الشهوة فيها.. لم يخطر ببالي أن أسأله عن المعصية التي وقع فيها.. فهي تظل بتعدد أشكالها هاجساً يراودنا في لحظة ضعف.. نستسلم لها تأخذنا في نشوة مؤقتة سرعان ما تعقب حسرة وتوبة أو استسلام يحرض على معاودة.
الخمسون عاماً تأتي بعد الأربعين، وقد قال مالك ـ رحمه الله: أدركت طلبة العلم في بلدنا يطلبون العلم والدنيا ويخالطون الناس، حتى إذا بلغوا الأربعين تركوا الدنيا ومخالطة الناس، وتفرغوا ليوم القيامة، أي: وجهوا أعمالهم إلى ما يعينهم على أهوال يوم القيامة. وفي الحديث عن أبي هريرة ـ رضي عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم قال: (أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة)، وفي هذا الحديث إمهال لما بعد الخمسين لتصحيح المسار، وقال ـ صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين، وأقلهم من يجوز ذلك)، وذكر الله جل وعلا في سورة فاطر صراخ أهل النار ـ حسب ما ذكر الشيخ المغامسي ـ وقال عنهم: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ) (فاطر: 37) واختلف العلماء في المراد بالنذير فقال بعضهم: هو النبي ـ صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم ـ على قراءة (والنذر): إنها الآفات، وقال آخرون: هو الشيب، وعليه أكثر المفسرين.. انتهى كلام الشيخ، وإذا كان المقصود بالنذير الشيب حسب ما رجحه أغلب المفسرين، فالغاية من الحديث أن الستين يكتمل فيها الشيب في الغالب، وهي من مراحل العمر ومنعطفاته العظيمة، وإن امرؤ بلغ الستين ولم يعي أنه سيلقى الله ويجتهد في العمل طاعة لله، فلا حجة له أبداً عند الله تبارك وتعالى، ولا يعني ذلك أبداً أن من دون الستين لهم الحجة على الله، فليس لبالغ حجة على الله بعد إرسال الرسل، وإنزال الكتب؛ لكن المقصود من الحديث حث من بلغ هذا السن من الناس أن يتقي الله جل جلاله فيما بقي من عمره، وقد فطن صاحبي لهذا الأمر وهو في منتصف المسافة بين الأربعين والستين؛ فوجه لي سؤاله الاستنكاري: هل يعصي الله رجل بلغ الخمسين؟ ولعله أراد أن يوقظني به.
قلت بلا تردد: نعم. استخرجتها من واقع نعاني منه جميعاً نحن من بلغنا الخمسين.. إقبالنا على الحياة يزداد والمعصية تأتي من تعلقنا بها.. تراكمات خبرات السنين تجعلنا أسرى لها. إن احتمال المعصية يزداد بتعدد الأشياء التي تجلب لنا المتعة فيها وبدرجة تعلقنا بها.
ها هو يعيد علي السؤال مرة أخرى مستنكراً: هل يعصي الله رجل بلغ الخمسين؟
لم تعجبه إجابتي ولم أدرك أنه يقصد نفسه يلومها على معصية الله وقد بلغت الخمسين فقلت ثورة الشهوة فيها.. لم يخطر ببالي أن أسأله عن المعصية التي وقع فيها.. فهي تظل بتعدد أشكالها هاجساً يراودنا في لحظة ضعف.. نستسلم لها تأخذنا في نشوة مؤقتة سرعان ما تعقب حسرة وتوبة أو استسلام يحرض على معاودة.
الخمسون عاماً تأتي بعد الأربعين، وقد قال مالك ـ رحمه الله: أدركت طلبة العلم في بلدنا يطلبون العلم والدنيا ويخالطون الناس، حتى إذا بلغوا الأربعين تركوا الدنيا ومخالطة الناس، وتفرغوا ليوم القيامة، أي: وجهوا أعمالهم إلى ما يعينهم على أهوال يوم القيامة. وفي الحديث عن أبي هريرة ـ رضي عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم قال: (أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة)، وفي هذا الحديث إمهال لما بعد الخمسين لتصحيح المسار، وقال ـ صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين، وأقلهم من يجوز ذلك)، وذكر الله جل وعلا في سورة فاطر صراخ أهل النار ـ حسب ما ذكر الشيخ المغامسي ـ وقال عنهم: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ) (فاطر: 37) واختلف العلماء في المراد بالنذير فقال بعضهم: هو النبي ـ صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم ـ على قراءة (والنذر): إنها الآفات، وقال آخرون: هو الشيب، وعليه أكثر المفسرين.. انتهى كلام الشيخ، وإذا كان المقصود بالنذير الشيب حسب ما رجحه أغلب المفسرين، فالغاية من الحديث أن الستين يكتمل فيها الشيب في الغالب، وهي من مراحل العمر ومنعطفاته العظيمة، وإن امرؤ بلغ الستين ولم يعي أنه سيلقى الله ويجتهد في العمل طاعة لله، فلا حجة له أبداً عند الله تبارك وتعالى، ولا يعني ذلك أبداً أن من دون الستين لهم الحجة على الله، فليس لبالغ حجة على الله بعد إرسال الرسل، وإنزال الكتب؛ لكن المقصود من الحديث حث من بلغ هذا السن من الناس أن يتقي الله جل جلاله فيما بقي من عمره، وقد فطن صاحبي لهذا الأمر وهو في منتصف المسافة بين الأربعين والستين؛ فوجه لي سؤاله الاستنكاري: هل يعصي الله رجل بلغ الخمسين؟ ولعله أراد أن يوقظني به.