هل هناك حد فاصل ما بين التسامح والتساهل؟.. ربما نفهم أن التسامح شيء من التساهل بالمفهوم العام للتساهل، وقد يتأكد لنا ذلك إذا ما عرفنا أن (ابن منظور) قد أشار في كتابه (لسان العرب) إلى أنهما مترادفان، وزاد بأن معظم المعاني مشتقة من (سمح)، ومنها السماح والمسامحة: أي الجود والعطاء عن كرم وسخاء، وليس تسامحاً عن تنازل أو منة.
أما (مجد الدين الفيروز أبادي) فلا يجد فرقاً بين المصطلحين فقد ذكر في كتابه (القاموس المحيط): المساهلة كالمسامحة، وتساهل أي: تسامح، وساهله أي ياسره.
كما ذكر (الإمام الفخر الرازي) في كتابه (التفسير الكبير) بأن اليسرى هي أعمال الخير التي تؤدي إلى اليسر، ويذكر أن لفظ التسامح لم يرد في القرآن الكريم صراحةً ، ولكن جاء ذلك ضمناً في وصف النبي صلى الله عليه وسلم باستعمال لفظ آخر وهو اللين، قال تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159].
وكل ما سبق يؤكد على تطابق المفهومين وتكاملهما.. ترى ما الذي تغير فأصبحنا نرى التساهل مفهوماً سلبياً.. ها قد ساد هذا المفهوم اليوم، وصعب علينا الأمر فأصبحنا نخفق في الوصول إلى (الحد الفاصل) فأعرضنا عن التسامح.. أضحى هو الآخر مفهوماً سلبياً.. فإذا قال لك أحدهم: أنت طيب، فلا تفرح.. فإنما يعني شيئاً آخر هو أقرب إلى (السذاجة) أو التساهل في غير موضعه.. ها قد عدنا لنثبِّت أن مفهوم التسامح مترادف لمفهوم التساهل.. كل ما في الأمر أنهما أصبحا سلبيين يقبعان في دائرة الشك.
لماذا نؤزم الموقف بالاختلاف الذي هو مصدر الخطر، نستطيع بالتسامح أن نخمد معاركنا الداخلية مع أنفسنا، ونتيح لأنفسنا فرصة الترابط مع الآخرين، إن له القدرة على تغيير الطريقة التي نرى بها أنفسنا والآخرين.
جرب وتريث عندما تختلف مع صديق لك، أو يشوب علاقتك الزوجية شيء من سوء الفهم، فلا تجعل لحظات الكدر تؤثر على إدراكك للأمور أو تستدرجك مشاعر الغضب إلى إصدار حكم ظالم جائر، تسلب به أفعالهم الجميلة وتجردهم صفاتهم الحسنة.
استحضر ثلاثة مواقف إيجابية لهم.. حاول أن تستعيد كل موقف وكأنه يحدث أمامك، ستجد نفسك قد سامحتهم وشفعت لهم مواقفهم السابقة؛ بعدها ستحلق وتستمتع بلذة التحكم بذاتك.
إن التسامح متى ما كان أقوالاً لا تدعمها السلوكيات، ومواعظ وكلمات لا تبرهن عليها الأفعال، كان ضرباً من ضروب التزييف اللفظي، إن الثمرة الحقيقية لكلمة التسامح هي السلوكيات العملية التي تؤكدها هذه الكلمة في الحياة، لذا يعتبر التسامح من أهم الدروس التي ينبغي علينا أن نتعلمها ونعلمها للأجيال.