عمر الاحتراف الرياضي في أمريكا 148 سنة، عندما ولد هذا المشروع في عام 1869م، كأول تجربة احترافية في هذه الدولة بطريقة منظمة تشرعها قوانين، كان حينها متوسط دخل الموظف في أمريكا 170 دولارًا سنويًّا، ويعتبر هذا الرقم في ذلك الزمن مناسبًا لظروف الحياة، في تلك المرحلة، فاستيقظ الناس من نومهم على إعلان تأسيس فريق رياضي محترف، ومتوسط دخل اللاعب الرياضي المحترف 930 دولارًا سنويًّا، موجة من الغضب اجتاحت الشارع الأمريكي، فأضرب العمال وتعالت أصوات المنظمات الحقوقية ومسيرة احتجاجات طافت في كل جزء بأمريكا، تطالب بإلغاء هذا المشروع الجديد "الاحتراف الرياضي"، فرفض القائمون على هذا المشروع ولم يلتفتوا لهم؛ لأنهم يؤمنون بأن الاحتراف منتج يدر ذهباً وأموالاً طائلة في المستقبل، وهو كأي "مشروع تجاري" لحظة تأسيسه تخسر عليه كثيراً، ولكن بعد سنوات سوف تجني أرباحًا خيالية.
قبل ثلاث سنوات نشرت إحصائيات حول العقود الاحترافية الرياضية والأكثر دخلاً في العالم، احتل حينها الأمريكي تايغر وودز محترف لعبة الغولف الرقم واحد عالميًّا، بمدخول قدر بـ100 مليون دولار، كان وقتها يتربع على عرش الرياضيين الأعلى دخلاً في العالم، منذ أكثر من ثلاث سنوات، فمجموع الجوائز التي حققها العام الماضي بلغت 13 مليون دولار، وجاءت الـ87 مليون دولار المتبقية من الإعلانات التجارية وأجور المقابلات الحصرية، ويدر اسمه على شركة "نايك" نحو 600 مليون دولار في السنة، وهي الراعي الأكبر والأهم لـ" تايغر وودز". يذكر أن مبلغ 100 مليون دولار أمريكي يعادل 375 مليون ريال سنويًّا، هذا يعني أنه يتقاضى أكثر من مليون ريال يوميًّا، تأمل كيف عقول الشعوب تتغير وتتبدل أمام هذا "المنتج القوي"، قبل 148 سنة اعترض الأمريكان على دخل سنوي للمحترف الرياضي 930 دولارًا، واليوم لا يعترض أي أحد على دخل سنوي يتجاوز 100 مليون دولار؟!.
"الاحتراف الرياضي" في أمريكا اليوم من أحد أهم الروافد الاقتصادية في الدولة، وتغيرت قناعة المجتمع حول أرقام العقود، ولن تجد اليوم أي صوت يعترض أو يستنكر، على الرغم من أن العقود سجلت أرقاماً قياسية لم يشهدها التاريخ.
من الطبيعي أن تجد في السعودية بين فترة وأخرى أصواتًا تعترض على هذا "المنتج المستورد" الاحتراف الرياضي، وكغيرها من الدول التي سبقتنا، وسوف يأتي يوم ولن تجد أي صوت يعترض أو يستنكر، هي مسألة وقت لا أكثر، حتى يتقبل الناس أهمية الاحتراف الرياضي اقتصاديًّا.
لا يبقى إلا أن أقول:
المشكلة الكبرى في احترافنا أن كل الأطراف المعنية يتعاطون مع الاحتراف بأنه مال فقط، وهذا مفهوم خاطئ، فالاحتراف فكر يقودك إلى جني أموال وأرباح طائلة، فالفكر أولاً والمال ثانياً.
يجب أن نعترف أن هناك خللاً ما في مشروعنا الاحترافي، ونحن استوردنا هذا المشروع ولم نطبقه كما تطبقه الدول التي استوردناه منها، ولكي لا نضيع الوقت في جدل عقيم حول أرقام عقود المحترفين، علينا أن نحدد مكامن الخلل؛ لأن أرقام العقود لن تنخفض.
كثير من بنود لائحة الاحتراف في السعودية تحتاج إلى التعديل أو الإلغاء؛ لأنها لم تسهم في تطوير الفكر الاحترافي وعطلت تحقيق الأهداف المنشودة.
قبل أن ينام طفل الـــ "هندول" يسأل:
هل هناك أزمة فكر وراء فشل مشروع الاحتراف الرياضي بالسعودية؟!.
هنا يتوقف نبض قلمي وألقاك بصـحيفتنا "الرياضية".. وأنت كما أنت جميل بروحك وشكراً لك..