يقول أرسطو "إن التقليد يزرع في الإنسان منذ الطفولة، وأحد الاختلافات بين الناس والحيوانات الأخرى يتمثل في أنه أكثر الكائنات الحية محاكاة، ومن خلال المحاكاة يتعلم أول دروسه".
الأنماط السلوكية والاجتماعية وغيرها يتم اكتسابها من خلال المحاكاة والتعلم بالملاحظة، في هذا الجانب برزت نظرية العالم "باندورا" التي تؤكد: (الإنسان كائن اجتماعي، يتأثر باتجاهات الآخرين ومشاعرهم وتصرفاتهم وسلوكهم، أي يستطيع أن يتعلم منهم نماذج سلوكية عن طريق الملاحظة والتقليد).
أحداث مؤسفة شهدتها مباراة "الكلاسيكو" بين الاتحاد والهلال، تهجم على الحكم، الاعتداء على المنافس بالركل، التشابك بالأيدي بعد المباراة وتلاسن، والجماهير تشارك في المشهد المخجل برمي اللاعبين بالأحذية وعلب الماء.
لم يحتاج خمسة لاعبين من فريق الشباب بنادي النهضة إلا 16 ساعة لكي يترجموا سوء السلوك بالمحاكاة الذي تعلموه بملاحظة التصرفات غير الأخلاقية من بعض اللاعبين في مباراة الكلاسيكو.
لقد شهد لقاء شباب النهضة والحزم عصر أمس الأول الإثنين تهجم عدد من لاعبي النهضة على الحكم عمر الشهري بعد نهاية المباراة بسبب طرد أحد اللاعبين في الدقيقة 80. صور مؤلمة نشرتها صحيفة "الرياضية" أمس لحكم المباراة وهو يتعرض للضرب، الزميل عبدالرحمن مشبب كتب: (بصق... وركل... وكاراتيه في مباراة كرة القدم... 5 لاعبين من النهضة مهددون بالإيقاف... والشهري ضحية للمرة الثانية).
ليست المرة الأولى التي يضرب فيها الحكم السعودي في ملاعبنا، ولن تكون الأخيرة، لأن مسببات المشكلة لم تعالج بل أهملت ليصبح الحكم ضحية.
الصغار يحاكون الكبار في تصرفاتهم، لكن الفارق أن الصغير يبالغ في ردة الفعل ولا يتحكم في أعصابه عندما يحاول أن يفعل نفس السلوك الذي تعلمه من الكبير. اللاعب السعودي المحترف في دوري جميل لا يوجد في قاموسه أن الخسارة يتعرض لها أي فريق، لذلك تجده يطبق قانون الشوارع: (أفوز وإلا أخرب).
لا يبقى إلا أن أقول:
إدارات الأندية تغذي اللاعبين أن الحكام هم المتهم الأول في خسارتهم بتصريحات متشنجة غير مسؤولة لها التأثير السلبي على سلوكيات اللاعبين في الاعتراض المتكرر على حكم المباراة. الأندية تهمل دور الإداري المربي في الفئات السنية، لذلك ينحرف سلوك اللاعبين بغياب القدوة في ظل محاكاة سوء سلوك اللاعبين الكبار.
شطب ومعاقبة اللاعبين بالفئات السنية بنادي النهضة لن يحل هذه المشكلة، بل يجب أن يشرع الاتحاد السعودي لكرة القدم قوانين صارمة تعاقب اللاعبين الكبار على سوء تصرفاتهم لكي لا يقلدهم الصغار بالمحاكاة بسلوك مبالغ فيه. يجب أن يشرع قانون يحمي الحكم السعودي من تهجم اللاعبين ورؤساء الأندية والإداريين، وأن يجرم أي سلوك غير أخلاقي لفظي أو جسدي يتعرض له الحكم بتعيين محام قانوني على نفقة الاتحاد لمقاضاة كائناً من كان.
قبل أن ينام طفل الـــ "هندول" يسأل:
هل "نظرية باندورا" التعلم بالمحاكاة تؤكد أن اللاعبين الصغار يقلدون المحترفين الكبار بمهاجمة الحكام؟!
هنا يتوقف نبض قلمي، وألقاك بصـحيفتنا "الرياضية" وأنت كما أنت جميل بروحك وشكراً لك.