في طفولتي وكثير من مراحل العمر كنت أشعر بأن شاعر العصر العباسي أبا تمام يعيش بيننا في منطقة جازان، وأحد الجيران في حارتنا الشعبية، كلما تذكرت مقولته الشهيرة:
(إن الشعر للخاصة وليس للعامة!!).
كان يقصد أبو تمام لكي تتذوق الشعر عليك أن تدرك معاني كلمات اللغة العربية الفصحى.
حتى الآن وفي جازان الأرض والإنسان (الشعر الفصيح) سيد المشهد الأدبي، ولا مكان هناك للـ(الشعر النبطي)، في الوقت الذي فيه كثير من مناطق السعودية والخليج تنبض بـ (الشعر الشعبي)، تبقى جازان صامدة لا تلد إلا شاعراً لسانه (فصحى).
الإنسان ابن بيئته، يتأثر بمحيطه لتصبح منطقة جازان ولادة لشعراء الفصحى جيلاً بعد جيل، يدافع عن اللغة الأم ويصونها وسط صراع أمواج الشعر النبطي المحيط بها من كل جانب.
كل الحصون التي بناها شعراء جازان حول المنطقة لتبقى صامدة تكسرت أمام كلمات الأغاني التي تسللت لقلوبنا بالشعر النبطي، ليعيش الإنسان هناك في صراع مع ذاته يكتب الشعر الفصيح وينطقه لسانه، لكن قلبه معلق بأغنية كتبها شاعر نبطي، لتصبح الأذن تعشق سماع هذا الشعر على نغم موسيقى وصوت فنان يطربك.
وحتى نخرج من هذا المأزق والصراع، ما بين الشعر الفصيح والشعر النبطي الذي يسكن أجسادنا، كان لا بد أن نهجر الشاعر العباسي أبا تمام، وأن نبحث عن مقولة أخرى تواسينا وتجعلنا نتقبل الشعر النبطي ونسمعه، من دون أن نكتبه، لم نجد من يناصرنا في هذا الموقف إلا الشاعرين ابن الرومي والجاحظ؛ لأنهما خالفا أبا تمام ويعتبران:
(أن الشعر يجب أن يكون للجميع حتى يفهمه الكل).
"الشعر النبطي" كلماته سهلة يفهمها الناس؛ لأن مفرداته قريبة من اللهجة المحلية، عكس "الشعر الفصيح" يبحر بك في كلمات جذورها قرون مضت.
لا يبقى إلا أن أقول:
الأمير الشاعر عبدالرحمن بن مساعد استطاع أثناء دراستي في المرحلة الثانوية بأسلوبه الفريد، أن يغير الفطرة التي ولدت عليها حب الشعر الفصيح، ليتلاعب بمشاعري في كل أغنية كتبها وكأن هذا الشاعر يمسك في يده الجينات الأدبية ميراث الأجداد، ليصبغها جمال روحه النابض بالشعر النبطي.
هيئة الترفيه بعد غياب 15 عاماً تزف للوطن بشرى عودة (شبيه الريح) الأمير عبدالرحمن بن مساعد إلى الأمسيات الشعرية؛ ليستمتع عشاق كلماته بليلة يسكنها الغزل والوفاء للوطن غداً الجمعة في مسرح جامعة الأمير نورة، تدشن (أمسيات المملكة).
كثير من الأصدقاء في جازان الأرض التي تتنفس الشعر الفصيح، قرروا شد الرحال إلى الرياض لحضور مساء الشعر النبطي غدًا الجمعة؛ من أجل "شبيه الريح"، ألست أنت يا عبدالرحمن كاتب قصيدة (احترامي للحرامي).. أسمح لي أن أقول لك:
أنت الحرامي الذي سرق قلوب شباب جازان وجعلتهم من أجلك يستبدلون فطرتهم الأدبية!!.
كنت أتمنى أن أشد الرحال في قافلة قومي لكي ألقاك وأقول لك:
احترامي.. للحرامي
صاحب المجد العصامي..
قبل أن ينام طفل الـــ "هندول" يسأل:
هل شبيه الريح سوف يحتضن الرياض بالغزل أم القصيدة الوطنية تعانق الوطن؟!.
هنا يتوقف نبض قلمي وألقاك بصـحيفتنا "الرياضية".. وأنت كما أنت جميل بروحك وشكراً لك..