|


هدى الطويل
الرياضة والنقد
2017-04-02

يُروى أن رجلاً من قبيلة التشوكان يتاجر بالدروع والفؤوس المرمَّحة، فقال في مديح دروعه: دروعي بالغة الصلابة لا شيء يستطيع اختراقها؛ ثم أضاف مادحًا فؤوسه المرمحة: فؤوسي المرمحة بالغة الحدِّة، هي قادرة على اختراق أي شيء. وردًّا على كلامه سأله أحدهم: وماذا عن استخدام فؤوسك المرمحة لاختراق دروعك؟! لم يستطع الرجل أن يقدم أي جواب.


لطالما كان كل نشاط إنساني يوازيه نوع من النقد، فللفلسفة نقد، وللسياسة نقد، وللفن نقد، وللرياضة أيضًا نقد. وتقنيًّا تقوم عملية النقد على "قراءة النصوص".والمقصود بالنصوص هنا ليست تلك المكتوبة فقط، بل أيضًا تلك المرئية والمسموعة. قراءة مشهد، صورة، حدث، ومن ثم فحصه وتحليله وتفكيكه، ومحاولة فهم الرسالة المؤداة من ورائه. وبمعنى آخر النقد هو اجتراح لتقنيات مبتكرة في التفكير والتعبير، وفتح أراضٍ واسعة للنظر والمساءلة.


في الساحة الإعلامية الرياضية المحلية على وجه الخصوص، والساحة الإعلامية ككل، وفي شتى المجالات بوجهٍ عام، نفتقر إلى ممارسة النقد بالمعنى الكانطي للكلمة. والنقد الكانطي هو ذلك النقد الذي لا يرمي إلى هدم أو دحض أو كشف عورة، بل هو تقليب القضية من كل وجوهها لتحديد إمكاناتها وحدودها، أي نقاط قوتها ومكامن ضعفها. والنقد بهذا المعنى هو شريان التصحيح لأي خللٍ إن وجد. ولكن حين تتابع بعض البرامج الرياضية التلفزيونية، أو تقرأ في مواقع التواصل الاجتماعي لبعض أولئك المهتمين بالشأن الرياضي المحلي، ستجد الكثير من أولئك "الأنومي"، وهو مصطلح قدمه عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم، ويعني "لا عرف.. لا معايير". 


لا يُقدم غالبيتهم عبر تلك البرامج وتلك الوسائل سوى "الباروديا"، أو تلك "المحاكاة الساخرة"، وفق نمط واحد مكرور، هدفه الرئيسي فقط هو إبقاء القديم على قدمه، عبر اجترار ذات آلية "بروكوست" في كل مرة: تقزيم الأحداث، بتر الوقائع، تشويه الحقائق.


هذا النوع من الطرح على علاته، وهذا النوع من الميديا المقدمة، وإن عرض في النور، إلا أنه ـ وعلى طريقة "يانج" ـ يزرع الكثير من الأفكار في الظل، ويقدم ما يزرعه أيضًا لسكان الظل، أولئك الرابضون في انتظار "تلقي" تلك الرسائل، وهم باختصار معشر "الجماهير".


أمر هؤلاء أقرب ما يكون لأمر "أبي همام"، الذي قال أبو حيان التوحيدي على لسانه في "الإمتاع والمؤانسة"، قال أبو همام ذات يوم: "لو كان النخل لا يحملُ بعضه إلا الرطب، وبعضه إلا البسر، وبعضه إلا الخلال، وكنا متى تناولنا من الشمراخ بسرة، خلق الله مكانها بسرتين، ما كان بذلك بأس. لا لا أستغفر الله، لو كنتُ تمنيتُ بدل نواة التمر زبدة، كان ذلك أصوب".