|


وحيد بغدادي
النوايا الحسنة.. تنتصر
2017-06-01

كتب أحمد الشقيري عن مقولة شهيرة للفيلسوف الفرنسي المشهور هنري لويس بيرجسون "Think like a man of action, and act like a man of thought".. وتعني (فكر كرجل أفعال وأفعل كرجل فكر).. هذه المقولة تتطرق إلى النية الحسنة وأنه لا وجود لنية سيئة أبداً.. وأن خلف كل عمل نية حسنة.. فقد تكون هناك أفعال حسنة ولكن تنفيذها بشكل سيئ بسبب الغايات.. علماً بأن (الغاية لا تبرر الوسيلة).. العلاقة بين النية والعمل قد تكون أحد أربع حالات: (نية حسنة وفعل حسن).. (نية حسنة وفعل سيئ).. (نية سيئة وفعل حسن).. (نية سيئة وفعل سيئ).. وقد تكلم كثير من الفلاسفة عن (النوايا) وتطرقت جميع الأديان لمسألة النية.. بل إن مسألة النية أخذت حيزاً كبيراً في الإسلام، وكان من أشهر ما روي عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْه" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.. هذا الحديث الذي قيل إنه المدخل إلى جميع العلوم الإسلامية.. فقد قال الإمام الشافعي رحمه الله: (هذا الحديث ثلث العلم، ويدخل في سبعين بابا من أبواب الفقه، وما ترك لمبطل ولا مضار ولا محتال حجة إلى لقاء الله تعالى).


ناقش الدكتور صلاح الراشد في برنامجه (رسالة من الكون) مسائل النية وتعريفها وأصلها والفرق بينها وبين التمني والرغبة، وأن النية الحسنة وراء كل عمل "كل حرب في العالم قامت على نية حسنة!! نية طيبة.. النية الحسنة لا تحقق بالضرورة الشيء الحسن لأن معظم شرور الناس كانت في الأساس من نوايا حسنة (وليست مبنية على نوايا سيئة).. إن من يفجر، ويقتل الأبرياء، ويسفك الدماء، نيته أن يخدم دينه! ويرضي ربه! هذا يقتل ويسفك ويضر عباد الله والدنيا بنية أن يرضي ربه. هذا يظن أن الله سبحانه وتعالى يأمره بذلك!! ولذلك فإن النية الحسنة ليست دليلاً على النتيجة.. نحن لا نحصل على النتائج الطيبة لأن نوايانا حسنة.. إن النتيجة الحسنة تحتاح أكثر من نية حسنة.. ولو كانت النية الحسنة كفيلة بالحصول على النتائج الحسنة لرأيت المؤمنين أغنى وأطهر وأعلم وأفضل الناس، والأمر ليس بالضرورة كذلك".. هتلر رغم بشاعة أفعاله.. إلا أنه كان يريد إصلاح ألمانيا.. والحجاج بن يوسف الثقفي كان يريد توحيد الدولة بقتل عبدالله بن الزبير.. والقاتل يريد أن يثأر لأبيه والسارق يريد أن يعيش والمرتشي يريد الغنى.. ولهذا فإن طلب الإصلاح والوحدة والثأر والعيش الرغد وطلب الغنى هي في الأساس مطالب شرعية وطيبة.. والكثير يطلبها، ونعرف أن أبوبكر الصديق أراد توحيد الدولة من المرتدين. والله سبحانه وتعالى شرع الثأر بالقصاص المنظم.


مع الأسف أن العذر بالنية الحسنة للتبرير عن الأخطاء أو الأفعال السيئة أصبح شائعا. فكم من شخص يعمل العمل السيئ ويعتذر أن نيته كانت حسنة!! قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).. ومن عجائب هذا أن الله يحول الأعمال العادية إلى عبادات يؤجر عليها العبد بمجرد تحويل النية. كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم (وفي بضع أحدكم صدقة).. نعم النوايا الحسنة تنتصر ومـا دُمـت تنوي الخير فأنت بخير، ولكن ينبغي أن تكون الغاية (حسنة) أيضاً وعلى نياتكم ترزقون.. إن هذه الحياة أقصر من شهيقها وزفيرها فلاتغرس سوى بذور المحبة.