شيئان مهمان أفرزتهما صفقة القرن، (انتقال نيمار داسيلفا من برشلونة إلى باريس سان جيرمان)، الصفقة التي وصفها المدرب الفرنسي آرسين فينجر بالقذرة: «إذا امتلكت دولة نادياً معيناً فمن المستحيل احترام قواعد اللعب المالي النظيف»!..
درسان مفيدان، لمن يريد أن يتعلم ..
الأول: أن نيمار بقي لاعباً برشلونياً حتى تمت الصفقة قانونياً، كان يحضر إلى التدريبات بانتظام، ويبذل من أنفاسه وقوته داخل ملعب التدريب ما يوحي بأنه باقٍ، وأن الحديث عن انتقاله محض افتراء.
بل إنه شارك في المباريات الودية بحماس واضح، وسجل أهدافاً قدر ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.. لم يُدِر ظهره إلى أحد، ولم يختبىء في عنوان مجهول، ولم يُخفَ من المشهد تحت جنح الظلام، ولا فوق جناح السلطة والتسلّط.
استمر يؤدي دوره لاعباً محترفاً محترماً، واستمر برشلونة في جعله جزءاً «أساسياً» من الفريق، ولم يركله إلى تدريبات الفريق الرديف، ولم يصدر بياناً ساخطاً عنه، ولا بياناً تحريضياً ضده.. قالت الجماهير عنه ما قالت، لكن النادي ظل يتكلم عنه بودٍ شديدٍ، وحين يبلغ سيله الزُّبى كان يُعلّق بلسان قانوني، لسان لا يوبخ اللاعب، ولا يصمهُ بالفاسد أو المتلاعب، ولا يتهمه بالتخاذل، وإنما يعض بنواجذ كلماته على حقه في الحصول على حقوقه.
الثاني: هو أن خبراء اللعبة (وإن لم نحترمهم، أو لم ننظر إليهم نظرة التقدير المناسبة)، فإن الإنصات لرأيهم بتركيز، وأخذه على محمل جاد عمل مهني كبير.
كان الهولندي الفذ (مدرب برشلونة السابق) يوهان كرويف يقول قبل أعوام عدة مرَّت: «لا مكان لقائدَين على السفينة»، قصده واضح «ميسي ونيمار»، قال أسطورة كرة القدم الهولندية الذي توج 3 مرات بالكرة الذهبية، والعقل الذي يفكر به رئيس برشلونة السابق خوان لابورتا، إن ضم البرازيلي نيمار إلى النادي الكتالوني «حماقة كبرى، راتبه أيقظ فتنة نائمة.. عندما يكون راتبك ضعف راتب حارس المرمى فيكتور فالديس الذي تُوج بكل الألقاب مع برشلونة، فلا تتوقع أن تكون الأجواء في صفوف الفريق، هادئة وناعمة.. لقد كانت حماقة كبرى من إدارة النادي، نيمار لاعب كبير، لكنه قد يربك اتجاه البوصلة»!.
لم يستمع أحد إلى كلام يوهان، صمّوا آذانهم عنه، وحين حقق الفريق الألقاب واحداً تلو آخر، كان الإداريون يقولون: «السفينة تواصل الإبحار في ثبات، والأهم من هذا هو أن تكون القلوب صافية، وأن كل لاعب يعرف قيمته جيداً في الملعب، وفي قلوبنا».
اليوم قفز نيمار إلى سفينة ثانية، محمّلة بالمال وربما المجد، كان ينتظر مرورها، فلما مرَّت امتطى ظهرها ليصبح هو قائدها، بل وقائدها الوحيد، لكن لو لم تمرَّ هذه السفينة، هل كان الوضع سيتأزم إلى درجة يمكن ملاحظته عن بعد؟!.. ويكون كرويف المشبع بكرة القدم وإدارتها وفلسفتها صادقاً في رأيه ورؤيته؟!.
ليتنا نستمع إلى ما يقوله الخبراء، ليتنا نحاورهم على الأقل.