المهمة التي بدت شبه مستحيلة ثم ممكنة، انتهت بنجاح وعلى خير ما يرام، تأهل المنتخب السعودي للمونديال صيف العام المقبل بروسيا، بعد عام من البذل والجهد والعطاء والتحمل والصبر، اختبر خلاله عزم لاعبيه وتصميمهم؛ فأثبتوا أنهم رجال، وواجهت أبطاله تحديات جمة فكانوا على قدر تحمل المسؤولية؛ فحمدًا لله ثم شكرًا للصقور الخضر، ولكل من ساهم في أن يتحقق هذا المنجز الوطني الكروي المهم.
استراتيجية خوض التصفيات "فنيًّا" كان لها دور رئيسي في النهاية المظفرة، وتعامل كافة الأجهزة معها بجدية ومسؤولية، كانا مؤثرين في جعل اللاعبين ينفذون المهمة بدرجة النجاح التي تضمن تحقق الهدف، وهو الحصول على إحدى بطاقات الصعود، وحجر الأساس فيها الفهم المدرك لطبيعة التنافس من حيث حسابات الربح والخسارة، في مشوار ممتد لعام كامل، من الممكن جدًّا أن يتعرض خلاله الفريق لكثير من المواقف التي قد تهدد مسيرته، ومن ذلك كان الهولندي فان مارفيك صمام الأمان الحقيقي الذي حمى هذه الاستراتيجية حتى آتت أكلها.
التأهل هو الثمرة التي كان المنتخب يسعى لقطفها، وحيث أنجز مهمته فلا يجوز لأحد أن يفتش وراءه لأن مثل ذلك غير منطقي، وقد تحقق الهدف، لكن التخطيط للمستقبل القريب والبعيد مطلوب، ومن الطبيعي أن ينظر في ثناياه إلى ما وقع فيه من أخطاء سابقة لتجاوزها في المشوار الجديد إن أمكن؛ لأن من بين ما يعتقد بعضهم أنها أخطاء هي ليست كذلك، بل استحقاقات لا بد من دفعها، مثل الحد الأقصى للقدرات والإمكانات، إضافة إلى طابع الفعل التنافسي المرتكز على الفوز والخسارة الذي يسعى له كل المنافسين "لست وحدك".
هذا التأهل جاء بعد تعثر لدورتين ماضيتين "2010 و 2014"، لكن بعضهم يخطئ في الحساب حين يذكر أن المنتخب السعودي لم يتأهل منذ 12 عامًا، وإذا كان ذلك فهذا يعني أن البرازيل أو ألمانيا أو غيرهما من المنتخبات التي لعبت مونديال 2014 يصبح تأهلها إلى روسيا بعد غياب 4 أعوام"!!"، هذا التصحيح لا يحتاج إلى كثير من الجهد، هو واضح إلا في سياق حوارات الفضاء "الفاضية"، التي طالما تبنت روايات مفبركة ومعلومات مغلوطة، صارت مع تكرارها وكأنها حقائق يجرم من يعارضها أو يصححها، وتشن عليه الحملات ويظن به السوء.
نجوم مثل نواف العابد ويحيى الشهري وفهد المولد وياسر الشهراني أو السهلاوي والفرج ومعتز وعمر وعطيف وبقية زملائهم نجحوا في أول تجربة لهم في الوصول إلى المونديال، وهو ما لم يفعله من سبقهم إلى المونديال، حيث تطلب ذلك محاولات غابت عنها أجيال وتداخلت أخرى في بعضها بدأت منذ 1978م، ولم تنجح إلا في 1994م، هذا كاف لأن يدخلوا "نحوم اليوم" جيل العزم والهمة تاريخ كرة القدم السعودية من أوسع الأبواب، رغم ما طالهم من ساقط القول خلال مشوارهم القصير، وهو ما لم يقل يومًا في أحد من أجيال كان طموحنا معهم الحصول على كأس دورة الخليج!.
ولأن التقدير والاحترام يجب أن يقابل به كل من ساهم ونجح أو حاول ولم ينجح، فإن الأمل أن تشهد المرحلة المقبلة اهتمامًا نوعيًّا بمن توكل إليهم مسؤولية صناعة الرأي العام، وأن يختفي من المشهد الباحثون عن الشهرة والمال وتلميع ذواتهم على حساب الحقيقة والمصلحة العامة، خاصة أولئك الذين نبتوا في أرض الانفلات الإعلامي وحسبوا أن الأقنعة لن تسقط أبدًا.. التهنئة مجددًا لكل من صنع هذا الإنجاز ومن أسعده.. والحمد لله من قبل ومن بعد.