|


حمود السلوة
في العيد.. رسالة إلى والدي
2010-09-09
ـ غداً العيد..
الموعد الذي ليس بالضرورة أن يكون موسماً للفرح، على الأقل بالنسبة لي.
ـ في مثل يوم العيد.. لي موعد سنوي أزور فيه قبر والدي.
ـ العيد.. أحبتي ذكريات ومواجع محزنة حد البكاء.
ـ في العيد أحس أن ليلاً دامساً.. موحشاً يسد الطريق الموحش إلى قبر والدي.
ـ أدخل المقبرة غداً زائراً فتستقبلني رائحة الطين والقبور الصامتة، وأعشاب القبور الطرية، والأرض الباردة.
ـ سلام عليكم.. والدي.. إخواني.. أخواتي.. أعمامي.. وأقاربي.. أصدقائي.. وأساتذتي.
ـ غداً العيد ..
الموعد الجميل الذي أنتظره كي أقف أمام قبر والدي يرحمه الله بكل شموخ الحزن.. وكبرياء الدمع.. وجسارة البكاء العذب.
ـ أقف مزهواً بوالدي الذي افتقدته منذ 45 سنة، أقف متسلحاً بالدعاء والذكر، وكأني أسمع والدي وهو داخل هذا الغمد الترابي يحادثني من قباب الريح.. وطراوة الطين.
ـ أجد (أبو سالم) يستقبلني بكل الشوق بكل اللهفة.
ـ سلام عليك والدي.. وأنا أقف أمام قبرك في يوم العيد، مزهواً بك.. متأبطاً حزن العالم.. أفتش عن هذا الغمد الترابي الطري مثل صباحات روحانية معطرة برائحة العشب والطين والفقد.
ـ سلام عليك (والدي) في هذه الصباحات الشمالية المعطرة بالتسابيح والدعوات والبكاء العذب عذوبة ماء العيون المالح.
ـ أودعك (والدي) وأنا مزهو بك.. فأهرب بحزني ولوعتي مختبئاً وسط ضفائر (أمي) حفظها الله وعلى كفاي سنابل قمح لم تصفر بعد.
ـ لك الرحمة (والدي) لكل جيرانك من إخواني وأخواتي وأعمامي وأقاربي.
ـ غداً هو يوم العيد.. سأكون أمامك بكامل زينتي وبخوري الباذخ.
ـ سأبحث لك (والدي) عن ظل أطول من سور المقبرة، أطول من قامة الشمس واخضرار أعشاب القبور.
ـ غداً (أبا سالم) سأقف أمام قبرك مثل قمر يطوي المسافات، مثل قمر يبقر خاصرة الأفق، مثل إنسان مهموم يقف بين بوابة العطر والموت.
ـ والدي.. أعرني رائحة الطين والموت كي أصنع لك بخوراً فاخراً يليق بك.
ـ أعرني يا سيدي شيئاً من (سراب الدمع.. وأنفاس القوايل!) كي أهديك دعاءاً من لعب الشمس، ولهاث الطريق.
ـ أعرني يا سيدي اخضرار عروق ساعديك الناحلتين لأصنع مكاناً يليق بك.
ـ غداً العيد يا والدي.. سأقف أمام قبرك وسأتخيلك مثل فارس ذهب يغسل أجساد خيوله العائدة للتو من ميدان السباق ثم أخذ يجفّف ينابيع الدم التي تبجّست من العصا فوق ظهر فرسه والوحل لما يزل على حوافر خيلك يا أبي.
ـ أكتب إليك والدي هذه الرسالة وأنا محاصر بحزن شديد.. حزن (الفقد) يا سيدي.
ـ عليك الرحمة يا والدي.. وغفر الله لك.. وأسكنك فسيح جناته.