|


حمود السلوة
أوراق العيد
2011-09-01
ـ1 لم أكن أرغب – صراحة – أن أتحدث بعيداً عن هموم الرياضة بشكل عام، لولا أنني وجدت نفسي محاصراً برغبة عدد من الزملاء والأصدقاء القريبين جداً مني، في أن أكشف عن جانب مرتبط بقراءاتي واطلاعاتي البعيدة عن الرياضة وهمومها.. ونزولا عند رغبة عدد من أصدقائي سأخرج هذا الأسبوع عن الخط المألوف، بعد أن ترددت في أكثر من (عنوان) لموضوع زاوية هذا الأسبوع، ومن هذه العناوين (أوراق العيد) و(سري للغاية) و(خارج المألوف) لكنني اخترت (أوراق العيد) فربما كان العنوان الأقرب.
ـ2 صديقي أبو محمد: هذا زمن لانستيقظ فيه قبل النور إلا على حزن، صرنا ياصديقي نعرف نرسم خارطة الحزن وسط جنون الطرقات، صرنا نعشق (الغياب)، لكننا في المقابل نشعر بالذنب، ننتظر ياصديقي رياح الفرح ومفردات (الرحيل) واللوعة والانكسار.
أحببت ياصديقي أن أجيء إليك بطهر ونقاء، صرت أحترم المسافات بيني وبينك حتى في الخيال، صرت ياصديقي في كل ليلة أتكئ على حزن.. وأتكئ على جُرح وأستيقظ على صبح رمادي، هناك يا أبومحمد صغار لم يكبروا بعد (تخيل)، وهنا من يعرف ياصديقي أنني أبحر بأحزاني وجراحاتي وخيباتي، وفي مثل هذه الأيام.. أيام العيد والفرح، أرثي ظلال النخيل فوق رمالنا، أرثي بقايا الماء في أكبادنا، أرثي حطام الوقت في نهاراتنا المشمسة، أرثي من فقدناهم من الذين رحلوا إلى ربهم.
ـ3 صديقي أبوسيف..
أيها البدوي الأصيل، المسافر للشمس مثل هديل الحمام، مثل الزوابع، كيف أنت؟
صديقي محمد الرطيان..
حتى وأنت نائم
أشعر أن القصائد تتبعك!
(تهمز) رجليك!
تمسح الدّمع النبيل في عينيك(!!)
ما أجمل أن تنام يا أبوسيف حتى توقظ الشعر، تعجبني جداً أيها الشمالي الفاخر وأنت ترمي البرك الآسنة بحصى الأسئلة، ففي القعر ياصديقي وحل الأجوبة الموجهة.
صديقي محمد الرطيان.. الساكن في بوابة الشمال.. تحرس الريح، تذكر (فقط) ياصديقي أن كل الأشياء عندما تقترب منها تكبر، ولكن بعض البشر عندما تقترب منهم يصغرون ياصديقي.
ـ4 صديقي أبوجنا: نهارك سعيد
تخيّل ياصديقي حين يمتزج الضحك بالبكاء، بالتأكيد هي حالة (هيستيريا) تخيل.
ربما نلتقي أنت وأنا على حافة الدمع، أو على رصيف القلب، نستعرض كل مفردات الفقد، والوداع، والغياب، والسفر، والضياع، والموت.
بالتأكيد ياصديقي سنكون (أنت وأنا) مثل سفن واهنة ترسو، وأخرى يائسة تهاجر إلى المجهول.
أو ربما نقف معاً على ضفاف كورنيش جدة.. والموج الثائر يقذف زبده بلا استئذان، وربما نكون (أنت وأنا في نفس الطريق.. بس الخطا متباعدة).
ـ5 يبهرك جداً (هاشم عبده هاشم) حين يكتب في الوجدانيات، يقول هاشم:
بين قلب الإنسان وعقله ألف مساحة شاغرة، نحن نفتقد التوازن في حياتنا، نحب، ونكره، أحياناً نفقد بسبب هذا الخلل عقولنا، ومشاعرنا وإرادتنا.
أحياناً نفقد الحد الأدنى والمطلوب من (التوازن) ومن العقل، ومن الإرادة.
أحياناً لانعرف الوجهة التي نسير فيها دون أن نفكر في المستقبل.
نبحث عن الحد الأدنى من الحقوق، وفي مقدمتها آدميتنا، وكرامتنا، وإنسانيتنا المهدرة بفعل الابتذال، وضياع العقل وسلب الإرادة منا.
ويقول هاشم عبده هاشم:
ليس لدى الإنسان أعز من كرامته، فإذا هو فقدها فإن (الموت) يصبح عنده أهون من (الحياة).
ـ6 عن الشاعر العربي الكبير، نزار قباني.. تقول الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي: نزار هو ذلك الشاعر الذي أشعل تلك الحرائق الجميلة فينا ومضى، الشاعر الذي حيث يمر تشتعل بمروره فتيلة الشعر، فنقف مندهشين أمام رمادنا بعده، نزار الذي لم يكتب يوماً بأصابعه بل بأصابع الديناميت.
بعد نزار قباني، ساد العالم صمت شعري رهيب، لا لأن شاعراً كبيراً رحل.
بل لأن أحداً لم يستطع أن يجعل من تفاصيل حياتنا اليومية والعادية (حالة شعرية)، وكشف أن هناك أقزاماً لم يكبروا، أولئك الذين ركبوا قطار الشعر من دون تذاكر، أولئك الذين عاشوا معلقين بأبواب القطارات.
رحل نزار قباني آخذاً معه كل تلك الشموس والأضواء.
ـ7 بعد خمسة مواسم جميلة أكتب لكم عن (لوكيميا الوداع)، أكتب لكم عن لحظة وجدت فيها نفسي محاصراً بكثير من المشاعر المتباينة، لحظة تساوت فيها كل مظاهر الفقد والذكريات، هكذا (تدور الأرض) ويدور دولاب الأيام، لحظات كان يتساوى فيها من كان يمشي على الرمل حافي القدمين فيترك لقدميه بصمة، وبين من كان يرقص وفي عينيه كثير من القهر والحزن واللوعة، والخذلان، والخيبات.
شكراً لكل أصدقائي الأنقياء الذين شاركوني قسوة الوداع، ولوعة الفقد.
شكراً لكم أصدقائي وفي قلبي لكم (حب) بحجم افتقادي لكم، بحجم الغياب الذي سأبعثره على كورنيش جدة، شكراً لكم بحجم هذا الفراغ الذي يرعبني، شكراً لنبض قلوبكم.
ربما كان (الكبرياء) الذي اخترته لنفسي عن قناعة، أعظم بكثير من الخير الذي كان سيمنحني إياه (بعض) الصغار كي أكون أمامهم ذليلاً وضعيفاً وبلا كرامة.