|

رؤية 2030 آفاق عالمية للرياضة أرقام وإنجازات





د. محمد باجنيد
ما أسعده
2009-10-02
ما أن يضع رأسه على المخدة حتى يذهب في (سابع نومة).. يدخل عالم النوم بسرعة.. كما يشعل الضوء في غرفته أو يطفئه.. لا شيء يقلقه!
ما أسعده.. وزع عرضه وصفح عمن ظلمه.. فلماذا لا ينام هانئاً.. هذا شيء من جزاء الدنيا.. ينعم به ولا يعرف قدره إلا من أمسى يتقلب على فراشه.. يتحسر على حظ مضى أو يفكر في غد قد لا يأتي.. يراقب الناس.. يرصد ما عندهم وينسى ما عنده! أما الجزاء الأوفى.. سلعة الله الأغلى.. فهي جائزة الآخرة لنفوس تحمل الخير للناس وتكره الغل والحسد!
في حديث أنس رضي الله عنه يبرز الدليل.. الصحابة الكرام جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول صلوات الله وسلامه عليه: يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة، فيطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته (أي تقطر) من ماء وضوئه قد علق نعليه بيده الشمال فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضا فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول. ولما قام النبي صلى الله عليه وسلم من مجلسه تبع عبد الله بن عمرو ذلك الرجل فقال: إني لاحيت أبي (أي خاصمته) فأقسمت إني لا أدخل عليه ثلاثاً فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي (يقصد ثلاث الليالي) فعلت، قال: نعم. وبات عبد الله مع ذلك الرجل السعيد لياليه الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعار تقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبر حتى صلاة الفجر. هناك شيء آخر لفت نظر عبد الله بن عمرو وهو أنه لم يسمع الرجل يقول إلا خيراً. المثير أنه بعد أن مضت ثلاث الليالي كاد عبد الله بن عمرو أن يحتقر عمل الرجل، فبادره قائلاً: يا عبد الله: لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث المرات فأردت أن آوي إليك فأنظر ما عملت فأقتدي بك فلم أر عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وقبل أن يسد الستار على المشهد الأخير تأتي الإجابة لتكشف لنا عن تلك القيمة الأكبر في حياة الإنسان.. إنها سلامة الصدر.. ما هو إلا ما رأيت.. قالها الرجل لعبد الله قبل أن يدعوه ثانية مؤكداً له: ما هو إلا ما رأيت.. يضيف بعدها مستدركاً: (غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسده على شيء أعطاه الله إياه).. هنا يا بن عمرو بن العاص.. أيها الصحابي الجليل تكشف لنا عن جوهر الانسان وأسباب العطاء والاصطفاء.. سلامة الصدر.. صفة عظيمة لا تقوى عليها النفوس.. فلا غرابة أن يحمل التاريخ صوتك لتقول قولتك الشهيرة: (هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق).. ما أجملك.. تقر بضعفك.. وأنت.. أنت.. فماذا نقول؟!