|

رؤية 2030 آفاق عالمية للرياضة أرقام وإنجازات





د. محمد باجنيد
ما بين جدة وجلاسكو!
2009-12-04
كلما التقيت جاري الذي كان يسكن أمامنا يوم كنت في جلاسكو وكان الجو ماطراً استقبلني بتحية بائسة قائلاً: إنها تمطر"!
ولأنني مثلكم جاف صيفاً وشتاءً فلم يكن بمقدوري إخفاء ابتسامة السعادة وأنا أرى السماء ملبدة بالغيوم والمطر يهطل.. بلا (انمبرلا) أستقبله، فيما يختفي جاري كسيراً ممنياً النفس بيوم جديد صحو مشرق!
الناس في الغرب لا يحبون المطر.. ولكنهم لا يخشون تبعاته، فالماء الذي ينزل بشكل متواصل لا تتأثر به بيوتهم ولا يُغرق شوارعهم ولا يقتل البسطاء منهم في المدن ولا حتى الأرياف، لأن مصارفه قد جهزت منذ قديم الزمان.. إنهم فقط (ملوه).. أما نحن فله في قلوبنا مكانة تجعلنا نفرح به ولو حول مدننا إلى برك تسبح فيها السيارات!
في (جدة) التي لا تعرف الأمطار كثيراً جاء المطر هذه المرة غزيراً عنيفاً.. هكذا نظن بعد أن قتل المئات وحجز الآلاف فوق أسطح المنازل وأتلف السيارات وأفسد الممتلكات!
سويعات قليلة حولت جدة إلى مدينة منكوبة فيما المطر يهطل كل يوم في مدن كثيرة ولا ترى له أثراً على الأرض.. خذ مثلاً.. في جلاسكو - هذه المدينة التي كنت أكتب لكم منها - لا يوجد ما يمكن أن يحمل القلق للسكان عند سقوط الأمطار.. حتى الثلج وجدوا له حلاً.. اكتشفت ذلك في الشتاء الماضي بعد أن نزل (السنو) كثيفاً وغطى الأرض بارتفاع كبير، وقد كنت أظن أنه لن يكون بإمكاني الذهاب بالأولاد إلى أحد التلال القريبة لنمارس متعة التزلج كما فعلنا ذات شتاء حين زرنا (فورت وليام) في الشمال الأسكتلندي، لأن السيارة كانت مغطاة بالثلج بعد أن غطى (السنو) كل شيء في شارعنا الصغير، ولكن جولة قصيرة سيراً على الأقدام كشفت لي أن الشوارع الرئيسية كان قد أزيل منها الثلج بواسطة سيارات خاصة تجرف الثلج وتسكب الملح لتسهل على الناس الانتقال بيسر.. ولولا أن الوقت كان قد تأخر لذهبنا للتزلج على تلك التلال المكسوة بالبياض.
ذلك التجاوب السريع من بلدية (جلاسكو) - في تعاملها مع ما تخلفه الظروف الجوية ـ بقدر ما أفرحني فإنه يصيبني اليوم بالحزن على الأبرياء الذين ماتوا في جدة.. وما خلفته الكارثة من دمار كبير!
الظروف الحالية تهدد بمأساة جديدة ربما تكون أكثر إيلاماً إن عاد المطر ثانية.. والأرصاد تتوقع ذلك.. والملك الإنسان عبد الله بن عبد العزيز يظهر لشعبه ليقول بكل وضوح في بيان ملكي إنه سيتصدى للكارثة باهتمام وحزم.. فيأمر بصرف التعويضات للمتضررين.. ويؤكد أنه لن يتغاضى عن الأخطاء التي وقعت وسيحاسب المقصرين.
إنني أتساءل: كيف نغرق بهذه السرعة ونحن نملك كل هذه الإمكانيات.. وهؤلاء البريطانيون بإمكانياتهم الأقل يذيبون الجليد على امتداد هذه الشبكة الكبيرة من الشوارع والطرقات بعد أن هيأوا مجرى الأمطار من قديم الزمان؟!
البناء العشوائي.. البناء حول مجاري السيول.. تأخير إنهاء مشاريع تصريف الأمطار والصرف الصحي.. هذه العوامل التي أدت إلى وقوع المشكلة ستكون على رأس قائمة الأعمال في أجندة اللجنة التي أمر الملك بتشكيلها ويجب أن تعالج بشكل سريع ومتكامل وبأفضل المعايير لتفادي وقوع كارثة من هذا النوع مستقبلاً.. الوقاية خير من العلاج، يجب أن تكون شعارنا لتفادي وقوع المشكلات وتفاقمها في مختلف مناحي الحياة.. نعمل بـ (إخلاص) من أجل وطن يملك كل الإمكانيات ليكون أفضل البلدان.