|


د. محمد باجنيد
تسطيح
2011-04-22
على الرغم من حبي للكرة حداً يجعلني أتابع كثيراً من مبارياتها.. بل وأبحث عن ميادينها.. أطاردها لأشبع نهمي بمداعبتها رغم تقدمي بالعمر.. على الرغم من هذا الهوس اللذيذ ـ الذي ما برحت أعيشه ـ إلا أنني أشعر بأنها تقودنا الى كارثة ثقافية تأتي نتيجة المغالاة في نقل مبارياتها وتغطية أحداثها وأصدائها عبر برامج تحليلية قبل وبعد المباراة.. تبدأ مبكراً وتنتهي متأخراً.. ويستمر عرضها في اليوم التالي.
أدرك أنني أكتب لصحيفة رياضية تهتم بالشأن الرياضي وتروج له.. وتغطي معظم صفحاتها مناسبات وقضايا وآراء تدور حول كرة القدم.. أعرف كل ذلك ومع ذلك لا يمكن لي أن أقف متفرجاً أمام هذه التحولات الخطيرة في ساحة الاعلام الرياضي.. وهذا الانجراف الطاغي نحو جعل الشأن الرياضي مادة الفكر الأولى للأجيال.. يتعاطونها خلف شاشات التلفاز، وعبر قائمة لا تنتهي من المطبوعات، دون أن يكون لها ذلك الأثر المطلوب في زيادة إقبال الفرد العادي على مزاولة الرياضة!.. ففي ظل هذا الانتشار الكبير للقنوات الفضائية الرياضية واستخدام الوسائط الإلكترونية في نشر المطبوعات الرياضية امتلأت الساحة الرياضية بالمتحدثين في شؤونها وشجونها.. أغلبهم صحفيون سطحيون.. ظلوا زمناً طويلاً وهم يبيعون بضاعة (جنك) للأجيال عبر مقالات صحفية وحوارات تلفزيونية تحمل التعصب والعنصرية.. يلوكونها باسم الإثارة والشفافية.. و (في ستين داهية) على التربية.
إنها ظاهرة إعلام رياضي تائه.. شاع الجهل في كثير من منسوبيه.. مشكلة إولئك أنهم بنوا خبرتهم الإعلامية على أساس هش من المعرفة، فنراهم يبتعدون بآرائهم عن القضايا الهامة التي تنفع المجتمع ويميلون في الغالب الى تناول قضايا شخصية.. يهاجمون بلا وعي.. ويصوبون برعونة ويتركون ظهورهم مكشوفة لهجوم مرتد تتفاعل معه الجماهير المترقبة لكل ما هو مثير .. يستفزون الناس وينالون من قيمتهم. إن أكثر من تعج بهم الساحة الإعلامية لا يحملون مؤهلات علمية، ولم يطوروا معارفهم من خلال القراءة ليتجاوزوا مأزق التخلف ورعونة التعاطي في الشأن الإعلامي..
وها هي الذائقة لدى المشاهد العربي والخليجي تحديداً تتدنى بعد أن شكلها الإعلام الرياضي، وكان بالإمكان أن يكون له دور تنويري لا أن يكون مصدراً للفرقة والتحزبات، وتوليد العداوات، خاصة وأن الرياضة تحمل الكثير من الإيجابيات الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية، متى ما وضعت لها الخطط الطموحة بأيدي تربويين متخصصين واعين مدركين للاحتياجات ومطلعين على تجارب الآخرين.
تعددت وسائط نقل المعلومة وباتت أسرع وصولاً الى المتلقي، وبقي الأثر تحكمه المادة الاعلامية التي باتت تتمتع بحصانة كبيرة، كان من المفترض أن تخدم أهداف النهوض بالرياضة، لا أن تصنع منها ميداناً للصراع!
هناك وجه شبه بين المصارعة الحرة واللقاءات الحوارية الرياضية التي تقدمها القنوات الفضائية.. فبعضها جدي يسعى فيه كل طرف الى توجيه ضربات قوية ليسقط الآخر، وربما تدخل الجمهور ومصارعون أو محاورون آخرون بعضهم يميلون لهذا المصارع أو المحاور وبعضهم يقفون مع الآخر.. وربما جاءت الحلقات (تمثيل في تمثيل) ويخرج الجميع سالمين غانمين فيما الجمهور المسكين يصدق ما يجري وينجر لمتابعته بلا وعي.