|


د. محمد باجنيد
حسّاس
2011-10-28
كلنا ذاك الرجل الذي يبحث عن ثناء الناس لما يعمل.. ليس فقط لأن ذلك يعد مؤشراً للنجاح، بل لأن النفس البشرية تفرح بالمديح.. وفي المقابل يؤلمها ذكر المعايب، فما بالك بـ (التوبيخ).. هكذا نحن يا سادة بشر من لحم ودم.. تسكن قلوبنا عاطفة تثار على (الريحة) وتسكر من (زبيبة)... كم حاولت أن أعلب مشاعري، ولكنني (حسّاس) تعلمت ذلك في مدرسة أمي.
مفهوم جديد لكلمة (الحساسية) تعلمته مؤخراً.. وكشف لي عن خلل في تشكيل (الشخصية).. لا أدري إن كان يخصنا أم أنه امتد إلى الخليج العربي أو أنه أضحى حالة (عربية).
المفهوم الجديد يقدم الحساسية على أنها مرض على صاحبه أن يعالجها باستقبال كل ألوان الكلام الجارح الخارج عن اللباقة واللياقة بصدر رحب يستطيع أن (يحشر) فيه رأسه ويغلق عليه بكتفيه حرجاً إذا لم يكن باستطاعته أن يضحك مع الضاحكين.
أمرٌ جديدٌ غريب لم أتلقه في مدرسة (أمي) التي وجدت نفسي فيها بعد أن غادر أبي قبل أن يراني.
تلقيت في هذه المدرسة دروساً تطبيقية لمعاني الاحترام والرحمة واللطف.. كنت أراها تقبل أيدي الصغار حين يقبلون يدها وتقبل رؤوسهم حين تمتد رؤوسهم لتقبيل رأسها.
في مدرسة أمي تعلمت كيف أعيش عزيزاً.. كانت تحضر لي كل شيء تقدر عليه.. وحين لا تتمكن كانت تقول لا أحد يملك كل شيء فارض بما تملك ولا تطلب أحداً شيئاً مما يملك، وغداً سيتغير الحال يا بني.
إنها الحكمة أي وربي يخرجها (الحياء).. كم هي حساسة أمي.. هكذا تعلمت معنى الحساسية، ولم أعرف أنها مرض يحتاج إلى جرعات من الإهانات إلا حين أجد نفسي (ضائعاً) في دهاليز (البيروقراطية) النفعية.. لا أحد يعرف من أنت.. ولا يهمه أن يعرف طالما أنك لا تقدم له شيئاً قابلاً للمقايضة.. أو على الأقل تظهر له شيئاً من الخضوع.. لذا - يا صديقي المكافح - لا تؤمل على أن تجد من يمنحك الفرصة احتراماً لعلمك وفكرك.. يضعك في المرتبة التي تستحقها وفق معايير العدالة التي أرادها الله للناس دون تمييز.
قد أبدو عدائياً وأنا أسخر من نماذج مشاهدة لشخصيات منحها التملق شهادة النجاح.. أيها السادة الأفاضل، أنا لست عدواً لأحد ولم أتعلم الكراهية في مدرسة أمي بل تعلمت الحب.. كنت وما زلت متسامحاً.. ولكن عيبي أنني (حسّاس) بالمعنى الذي تعلمته من أمي، فلا أقبل التجريح أبداً وإن كنت أتجاوز كثيراً مع أولئك الذين يدركون أننا جميعاً أبناء تسعة أشهر.. وأمرر سريعاً لأولئك الذين انتبهوا لتلك الحقيقة المسلم بها وأكدوا ذلك باعتذار.
المفهوم الجديد للحساسية التي تعالج بجرعات من (الإهانة) ودس الرأس على طريقة (النعامة) لا يناسبني.. لأنني أؤمن بأن الناس قد أُعطوا الكرامة من خالقهم.
نعم.. لا يمكن لي أن أكون مثل أولئك الطلبة الصغار في المدارس الابتدائية الذين عليهم أن يرددوا خلف معلمهم ما يقوله وليس مهماً أن يفهموا ما دام المعلم فاهماً.
ها هي بركات التعليم في اتجاه واحد تخرج إلى (الساحة) تلك النماذج التي نسأل الله أن يعوضنا خيراً منها.