بات آذار (مارس) شهر الانتفاضات في لبنان، منذ العام 2005، وهو العام الذي استشهد فيه رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في عملية تفجير إجرامية لا مثيل لها، فانتفض الشعب اللبناني على التواجد العسكري السوري، فيما عرف بـ "ثورة الأرز" التي أخرجت القوات السورية، وردّت في 14 آذار على تظاهرة 8 آذار التي نظمتها القوى السياسية الحليفة لسوريا، بتظاهرة المليون ونصف المليون..
آذار العام 2016 شهد انتفاضة من نوع آخر، كان بطلها جمهور نادي النجمة الذي كسر في 13 آذار قراراً حكومياً أمنياً بمنع حضور الجماهير مباريات كرة القدم، على خلفية ثلاثة أحداث تكسير كراسي الملاعب كان طرفها الدائم جمهور النجمة، وهو الأعرض والأكثر فاعلية وحماسة في كل أرجاء لبنان..
هذا الجمهور ذاته، جمهور النادي النبيذي (لون قمصان النجمة) أبطل القرار عنوة حين نزل إلى الشارع وسدّ الطرقات المحيطة بملعب بلدية برج حمود حيث المباراة الدورية بينه وبين الحكمة، وما لبث أن اجتاح السياج خاصة عندما علم أنّ فريقه يتأخر بهدف، هذا "الاجتياح" سبق قراراً أمنياً صدر إلى القوى المولجة منع الجمهور من دخول الملعب، وهذا ما أثر على النتيجة إذ "انتفض" الفريق النبيذي بدوره وهزم نظيره الأخضر بثلاثية.. وكان لاقتحام جمهور النجمة مدرجات الملعب تأثير آخر في مكان آخر، حيث دخل جمهور الأنصار الملعب البلدي في بيروت وآزروا فريقهم في فوز صعب على السلام زغرتا..
هكذا نجح جمهور النجمة حيث فشلت مساعي اتحاد الكرة والأندية مجتمعة مع السلطات الحكومية والأمنية، وحتى مساعي بعض القوى السياسية التي وعدت بحل المشكلة التي لم تُحلُ في النهاية إلا في الميدان..
فكان أن التقى مدير عام قوى الأمن الداخلي وفداً من اتحاد كرة القدم وبعض مسؤولي الأندية، وتمّ عرض أوضاع كرة القدم والطرق الآيلة إلى منع احتكاك الجماهير، وتقرّرت الموافقة على حضور الجمهور كل المباريات، ووعد اتحاد الكرة باتخاذ التدابير الإدارية اللازمة في حال وقوع أعمال شغب..
وهكذا أيضاً نجح جمهور فريق كروي في تحقيق مطالب، حيث فشل المجتمع المدني في تحركات أطرافه المختلفة لفرض حل لمشكلة النفايات التي أغرقت لبنان أو كادت..
والحق يُقال إنه في الوقت الذي نرى فيه المسؤولين عن اتحادات كرة القدم في أكثر من بلد عربي، يقدمون الحوافز والجوائز لجلب الجمهور إلى الملاعب، نرى الجمهور اللبناني ينزل إلى الشوارع متحدياً السلطات الأمنية ومنتزعاً حقه في حضور المباريات، مثبتاً أنّ الجمهور عنصر مكمّل للرياضة ومتعتها..
وعلى الرغم من الحالة الاقتصادية الخانقة، فإنّ جماهير الكرة تزحف بالآلاف إلى الملاعب، خلال المباريات بين الفرق الكبيرة، ووصل العدد هذا الموسم في بعض هذه المباريات إلى 14 ألف متفرج في العاصمة، فيما وصل العدد إلى 8 آلاف في "ديربي" العاصمة الثانية طرابلس.. (الاجتماعي وطرابلس).
ولا ننسى أنّ الأندية اللبنانية لا تتلقى أي دعم حكومي، فحتى ملعب المدينة الرياضية متوقف عن استقبال المباريات منذ السنة ونصف السنة لعدم توفر المال الحكومي لإصلاح الأرضية وبعض مرافق الملعب.
.. وخذوا الغرائب من اللبنانيين حتى في شؤون الرياضة وشجونها.