يشعر المواطن العربي الذي يتابع قضايا الوطن والأمة، أنّ المملكة العربية السعودية بقيادة الملك سلمان، باتت نقطة الارتكاز الأكثر صلابة في محاور السياسة الدولية وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، فهي لم تتخلَّ عن ديبلوماسيتها التوفيقية ومساعداتها الاقتصادية والمالية للدول المتعسرة مالياً في منطقتنا وغيرها حتى حدود الدول الإسلامية في كل أرجاء الأرض، وهي لم تتوانَ عن إظهار أذرعتها العسكرية، حين تعرّض أمنها القومي لبعض التهديد من جماعات انقلابية في اليمن وخارجة عن سلطة الدولة، فكانت حملتها العسكرية الأولى تحت عنوان "عاصفة الحزم" ثمّ التحوّل إلى حملة "إعادة الأمل" بعد تطهير عدن ومحافظاتها وبعض المناطق الأخرى بقيادتها تحالفاً عربياً عريضاً.
وتبقى الديبلوماسية السعودية العنوان الأقوى لمساعي التوفيق بين الأشقاء المتنازعين في ما بين دولة وأخرى، أو في ما بين جماعات متخاصمة في الدولة الواحدة. والمثل الأبرز لذلك اتفاق الطائف الذي أعاد لنا في لبنان السلام في التسعينات، والذي بات الدستور الجديد للبلاد والقاعدة التي تضع النقاط على الحروف في كل مرة تستجد فيها نزاعات محلية.
ومما لا شك فيه أنّ كل المسؤولين في المملكة وفي مختلف اختصاصاتهم، تشربوا روحية الديبلوماسية السعودية الهادئة التي توصل إلى النتيجة الإيجابية بدون صخب أو كسب إعلامي. ولا أبالغ هنا إن قلت إنّ الأمير الراحل المغفور له فيصل بن فهد، كان واحداً من أبرز ديبلوماسيّي المملكة من دون مسوغ رسمي، قد حصل على يده تقارب بين المملكة وبين عدد من الدول بعد طول انقطاع في العلاقات الديبلوماسية، وربما يكون الراحل عبدالله الدبل ـ رحمه الله، خير تلميذ للأستاذ والمعلم في المجال الرياضي، والأمير سلطان بن فهد خير خلف لمواصلة هذا النهج الذي جنى ثماراً وأكسب المملكة أصدقاء كثراً في الرياضة العالمية والعربية.
نموذج من الديبلوماسية السعودية الهادئة تجلى مؤخراً في مشكلة مباراة المنتخب السعودي مع نظيره الفلسطيني في رام الله ضمن التصفيات المزدوجة للمونديال وأمم آسيا، ومع أننا كنا مع القائلين أنّه كان يجب أن يتنبه الإخوة في الاتحاد السعودي لكرة القدم إلى هذه المشكلة منذ إجراء القرعة، إلا أننا يجب أن نعترف أنّ اتحاد الكرة، وخصوصاً رئيسه أحمد عيد، برع في التصرّف بصبر وأناة وبنفس طويل حتى نجح في نقل المباراة إلى الأردن، بعد مفاوضات وجهود مضنية ومكوكية. ولا يخفى على أحد أنّ المسؤول الرياضي الأول الأمير عبدالله بن مساعد كان الراعي الأول للنهج الذي اتخذه اتحاد الكرة.
والحق يُقال، إنّ ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كان المظلة التي حجبت حرارة المداولات بين الاتحادين الرياضيين في البلدين، فتدخّلت الديبلوماسية، في الوقت المناسب قبل فوات الأوان، وهو بذلك حفظ ماء وجه الاتحاد الفلسطيني في كرة القدم وخاصة رئيسه جبريل الرجوب الذي ذهب في عدم التجاوب إلى المتر الأخير من مسيرة التفاوض، وفي الوقت ذاته حمى المصلحة السعودية وحال دون أن يكون الميدان السبيل الوحيد لخوض استحقاق عالمي وآخر قاري.