لم يكن للعرب تأثير كبير في ملاعب كأس العالم، إذ أنّ المنتخبات العربية التي خاضت نهائيات المونديال، لم تذهب أكثر من الدور الثاني، وقد حصل ذلك مرات قليلة، ولكن العرب لعبوا أدوراً كبيرة في أروقة "فيفا" وخصوصاً في مجال تقديم ملفات هامة لاستضافة المونديال، وهذا ما ظهر بوضوح حين حصلت المغرب على 7 أصوات مقابل أصوات الولايات المتحدة العشرة لتنظيم مونديال 1994، ثمّ أعاد هذا البلد العربي الكرّة في 2010 فنال 10 أصوات مقابل الأصوات الأربعة عشر لجنوب أفريقيا، إلى أن كسرت قطر شوكة الولايات المتحدة بأربعة عشر صوتاً مقابل ثمانية ونالت شرف تنظيم مونديال 2022.
المجال الثاني الذي برع فيه العرب في "فيفا" هو فرض الوجود في المكتب التنفيذي للفيفا وفي مختلف اللجان، وها هو بعضهم يقف خلف بلاتر، وبعضهم الآخر في مواجهته، علماً أنّ أحداً لم ينجح في مقارعة بلاتر أو إزاحته عن العرش، فسقط أمامه رئيس الاتحاد الأوروبي يوهانسون ورئيس الاتحاد الأفريقي عيسى حياتو، وحين استشعر "ديكتاتور الفيفا" الخطر الذي يشكله ترشّح القطري محمد بن همام رئيس الاتحاد الآسيوي، دبّر المكائد وحبك الاتهامات ونجح في إزاحته وسحبه من المعركة، بل وشطبه من عالم كرة القدم..
وحين أعلن بلاتر ترشّحه لولاية خامسة ناكثاً بالوعد الذي قطعه لميشال بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي بأن يخلفه في انتخابات 2015، "هرب" الفرنسي من المواجهة المباشرة ودعم مرشحاً عربياً بديلاً للمرشح العربي المبعد، بعدما وجد، ومن خلفه أوروبا بمعظمها، في الأمير الأردني علي بن الحسين شخصية غير مدنسة بفضائح الفساد.
وكانت النتيجة المنتظرة بأن ربح بلاتر المعركة، ولكنه لم يلبث أن خسر الحرب وبعد أيام قليلة من انتصاره في الانتخابات وبفارق ستين صوتاً، إذ أنّ العاصفة التي أثارها القضاء الأمريكي والتي أفضت إلى إيقاف مسؤولين كبار في "فيفا" بتهمة الرشى والفساد، وذلك قبل يومين من الانتخابات، تحوّلت إعصاراً بخلاف ما صرّح الرئيس المنتصر..
والحق يُقال، إنّ بلاتر نصير العرب ونصير ملف مونديال قطر، كان واقعياً في استقالته مثلما كان الأمير علي بن الحسين منطقياً في انسحابه قبل الجولة الثانية من الانتخابات، والحق يُقال أيضاً إنّ العرب وقفوا بقوة إلى جانب بلاتر وليس ضد ابن جلدتهم الأمير الأردني الشاب، لأنّ هذا الأخير كان مرشّح خصوم السويسري العجوز، ولم يكن مرشّح القارة.
والآن، وبعدما أعلن الأمير علي بن الحسين ترشّحه من جديد، يبقى العرب في قلب المعركة، من دون أن يعني ذلك أنهم سيقفون خلفه، بل ربما يكون هناك مرشّح عربي آخر، كما يبدو، آتٍ هذه المرة من الكويت، بشخص الشيخ أحمد الفهد الصباح، الذي عمل بقوة لفوز الأمير علي بن الحسين بمنصب نائب رئيس "فيفا"، والذي يضع في جيبه أصوات قارتي آسيا وأفريقيا وأصواتاً من القارات الأخرى، ولا سيما الأصوات المؤيدة لبلاتر في كل الظروف.
ولا يغيب عن بالنا، أنّ الشيخ أحمد وإن لم يكن في صف واحد مع بلاتيني في الانتخابات الأخيرة، إلاّ أنّ صداقة متينة قديمة تحكم العلاقة بينهما.. ومهما يكن من أمر، ومهما تقلّبت الظروف في الأيام المقبلة، فإنّ الشيء الثابت هو أنّ العرب باتوا كتلة قوية وكبيرة وصلبة تؤثر كثيراً في تحديد هوية من سيخلف الإمبراطور السويسري.. فهل تكون لهم الخلافة؟.