تعتبر الكرة السعودية في طليعة الدول العربية وخاصة الخليجية التي لا تمنح حكام اللعبة الثقة في إدارة المباريات الحساسة ولعل ما يؤجج الاحتجاجات على أخطاء التحكيم، التعصب الأعمى لدى الأندية و"ازدهار" نظرية المؤامرة لدى الفرق الخاسرة و"تتعاظم" هذه المؤامرة إذا كان هناك طرف خيط ولو بعيد جداً جداً يربط هذا الحكم سابقاً سابقاً بهذا النادي أو كان صادف أن أخطأ حكم ما في مباراة لفريق ما ثم تكرر الخطأ في مباراة ثانية للفريق ذاته مع الحكم ذاته فيصبح هذا الحكم على اللائحة السوداء، ومتى علمنا أن هذا الأمر لا يقف على نادٍ واحد بحد ذاته بل الأندية كلها، لوصل بنا الأمر إلى لائحة سوداء لا مكان فيها لسطر فارغ من اسم حكم، مما يعني بدون شك "انقراض" مهنة التحكيم.
أنا أعتبر، وبحكم علاقاتي مع الحكام العرب من خلال الاستفتاء السنوي لمجلة "الحدث الرياضي" المخصص لأفضل حكام الساحة والراية العرب، أن الحكم، مثله مثل أي من الفريقين المتباريين، يضع نصب عينيه الفوز، فلا يهتم للرابح أو الخاسر بل همه الأول والأخير ألاَ يكون هو الخاسر في المباراة وهذه حقيقة ومن البديهيات وخاصة لدى الحكم السعودي الذي يعرف مدى وقع الأخطاء التي يقع فيها ويعرف أنه ملاحق بكاميرات وبعيون، وبالتالي، معرض لألسنة لاذعة من هذا الكم من المحللين سواء خبراء التحكيم أو المحللين في الاستديوهات التحليلية.
المعركة مع الحكام المحليين وقعت باكراً هذا الموسم وكانت الشرارة الأولى من نادي النصر وكانت المؤازرة الفورية من نادي الهلال ملفتة وسرعان ما أذعن اتحاد الكرة للمطالب بعدما كان صمد طوال الموسم الماضي، فوافق على السماح للأندية كافة بطلب خمسة طواقم تحكيمية أجنبية في منافسات الدوري، محدداً تكلفة المباراة الواحدة بـ135 ألف ريال يدفعها النادي بالطبع، مما يعني أن تكلفة المباريات الـ63 (في حال استعانت كل الأندية بخمسة طواقم أجنبية) تقارب الـ 9 ملايين ريال؛ وعلاوة على انخفاض نسبة مشاركة الحكام السعوديين في مباريات الدوري في مثل هذه الحالة، فإنهم سيغيبون عن المباريات الهامة وخصوصاً الديربيات والكلاسيكويات وبالتالي ستقل حظوظهم في ترشيحهم من قبل الاتحاد الآسيوي و(فيفا) أيضاً وستخف مداخيلهم المالية ولو أن اتحاد الكرة ضاعف مكافآتهم.
وعدم الصرف الكافي على الحكام وضعه الحكم الدولي السابق عبد الرحمن الزيد ضمن مسببات مشاكل التحكيم إضافة إلى ندرة المواهب وعدم وجود آلية واضحة في عمل لجنة الحكام ومن الطبيعي ألاً يذكر الزيد عامل التحيز أو عدم النزاهة كونه حكماً سابقاً، ولكن التشكيك بالنزاهة يأتي من الأندية بكلام واضح وصريح وأحياناً بكلام غير مباشر وبعبارات مبطنة.
في رأيي أن خطوة تقليص فرص قيادة الحكام السعوديين لمباريات الدوري الهامة، لا تصب أبداً في مصلحة الكرة السعودية، فأخطاء الحكام حاصلة ودائمة في كل ملاعب العالم وأحياناً تكون قاتلة وفي مباريات دولية، وبالأمس حمَل محللون سعوديون الحكم الكوري لمباراة الهلال والسد الآسيوية مسؤولية حرمان الفريق السعودي من ركلتي جزاء والحكم الأسترالي لمباراة الاتحاد والعين مسؤولية حرمان العميد من ركلة جزاء، وكلنا نتذكر كم وقع حكام أجانب مشهورون بأخطاء في الدوري السعودي بالذات، وبالتأكيد سيقعون هذا الموسم بالأخطاء والنتيجة الطبيعية لهذا القرار خسارة مزدوجة: مالية للأندية ومعنوية ومالية للحكام.