كثر الحديث هذه الأيام عن "قسم الحكام" ومطالبتهم بأدء القسم كشرط من شروط دخولهم هذا المجال فيما ترفض لجنة الحكام ذلك. ودونما دخول إلى وجهة نظر كل فريق ومبرراته والتي يمكن التعرف عليها بسهولة فإننا سنتوقف عند المطالبة بأداء القسم حيثياته ودلالاته وليس أسبابه ومبرراته. والحقيقة أن المطالبة بقسم الحكام ليس وليد هذه الأيام أوالمواسم الأخيرة فقد طالب به الأمير الراحل عبدالرحمن بن سعود قبل عقدين من الزمن وربما أكثر وتجدد هذه الأيام بأصوات أخرى ويطلب هؤلاء مقارنة الحكام أوقضاة الملاعب بالعسكريين والوزراء من مبدأ المساواة في أداء القسم وهي مقارنة غيرمنطقية فالقضاة على سبيل المثال لا يطلب منهم أداء القسم ولدينا أمثلة كثيرة هنا أو في عالمنا العربي وحتى الخارجي من أطباء وما يعرف بقسم (أبوقراط) ومسؤولين وعسكريين وغيرهم تؤكد أن بعضا من هؤلاء نسوا القسم ونقضوه أمام إغراءات المادة والجاه والسلطة والمصلحة الشخصية. لنترك هذا جانبا ونعود لموضوعنا ونطرح تساؤلا مهما: هل أداء الحكام القسم وإلزامهم به سيمنع وقوعهم في الأخطاء أو يحد منها كما يعتقد البعض؟ وهل يمكننا الدخول إلى بصائرهم والتعرف على نواياهم ما إذا كانت صادقة أم أنها شفاه تتحرك وقلوب غافية عند تلاوة القسم فيما لو تم. مطالبة الحكام بأداء القسم ينطوي في نظري على حالتين: الأولى: إذا آمنا بأن الحكم بشر معرض للخطأ وأن الأخطاء واردة في كرة القدم باعتبار كثير منها حالات تقديرية فإن مطالبة الحكام بالقسم هو إتهام صريح وواضح لتعمدهم ارتكاب الأخطاء بمعنى تغليب جانب فريق على آخر أو تعمد خسارة فريق دون آخر وأن القسم سيمنعه من ذلك وهذا طعن صريح في نزاهة الحكم وضميره ثم إن هذا الإتهام يقودنا لإتهام مضاد يعاقب عليه القانون فإتهام الحكم بذلك أوبالتلاعب بالنتيجة مخالفة تعاقب عليها لجنة الانضباط أواللجان القضائية المتهم كما حصل في كثير من الحالات. والغريب أواللافت للنظرأن كثيرا من الذين يطالبون الحكام بأداء القسم كنوع من درء الظلم عن أنديتهم وحمايتها كما يقولون هم في الواقع وبإجماع أكثرالمحللين التحكيميين أقل المتضررين من أخطائهم مما يطرح علامة تعجب يعقبها استفهام حيال ذلك ربما لأهداف يرجون من خلالها الإيحاء بمطالبتهم بعدالة التحكيم. الثانية: هناك مثل مصري معروف (قالوا للحرامي احلف قال يابختك جا لك الفرج) ودلالته معروفة فالذي ينوي السرقة على سبيل المثال أوخيانة الضمير ـ إلا مارحم ربي ـ لن يثنيه القسم عن ذلك وحتى لو استشعرعظمته في البداية فإن مغريات المادة أوالمنصب والجاه أوالعاطفة والميول كل حسب موقعه قد تؤثرعليه تدريجياً حتى تصبح أمرا عاديا وروتينيا ينسى معها القسم بل إنه قد يبيت النية قبل أدائه ويجد له العديد من المخارج خاصة وأن العقوبة الإلهية المرجوة من وراء ذلك في كثير من الأحيان ليست آنية مما يفقدها تأثيرها ما لم يكن لدى هذا الشخص ضميرحي واستشعار بعظم هذه العقوبة وإن تأخرت. القسم ليس حلاً فمستوى بعض الحكام يؤكد ذلك الحل الحقيقي يبدأ من حماية الحكام من التجريح الشخصي والنقد الخارج عن النص وتطوير قدراتهم الذهنية والفنية وإبعاد من تتكرر أخطاؤه وتثبت عدم قدرته على تطويرقدراته وإخضاعهم لاختبارات شخصية قبل الدخول في هذا المجال وقبل هذا كله إعطاؤهم حقوقهم المادية وحفظ الحقوق المعنوية. والله من وراء القصد،،