حضرت أول مباراة عام 1386هـ 1966م في ملعب الصايغ بالرياض كنت قد أنهيت العقد الأول من عمري عندما اصطحبني الخال حمد محمد المسعد -أمد الله في عمره- (من أخوال الوالدة -رحمة الله عليها-) مع عدد من أبنائهم، ووصلنا الملعب بعد بداية المباراة بزمن لأن المفاوضات بينه وابنه الأكبر عبدالرحمن (أبو يزيد) الذي يصغرني قليلاً أخذت وقتاً طويلاً لإقناعه حسبما عرفت فيما بعد. كانت مباراة ودية بين الهلال ووحدة الخبر قبل دمجها مع شعلة الخبر لتكوين نادي القادسية وانتهت بفوز الهلال بـ8 أهداف. وصلنا الملعب وطلبوا منا التذاكر فتفضل أبوعبدالرحمن ونقد الرجل 5 يالات وقال له اشتري لهم تذاكر وادخلهم، حنا ما نعرف ثم سأله متى تنتهي المباراة حتى يعود لأخذنا إلى من الملعب. في تلك السنوات كانت قيمة تذكرة الدرجة الأولى 4 ريالات والثانية ريالان، وكان صغار السن يدخلون مجاناً مع ذويهم وبعضهم يقف أمام البوابة وعندما يشاهد رجلاً كبيراً يسأله: تدخلني معك؟؛ ويبدو أن الواقفين عليها يدركون ذلك ويغضون الطرف. دخلنا الدرجة الأولى وجلسنا في المدرج الجنوبي خلف المرمى وتاهت أنظارنا طوال المباراة بين التأمل في الملعب وبين الفريقين والحكام ومجريات اللعب وكنا نسمع أصوات اللاعبين وتوجيهاتهم لقرب المدرجات. كان حلماً بالنسبة لنا أن نشاهد على الطبيعة مبارك عبدالكريم وسلطان مناحي والكبش ونجوم الهلال في ذلك الوقت وهو الذي حقق ثلاثة كؤوس على مستوى المملكة في 5 سنوات بعد أن كنا نقرأ عنهم في الصحف أو نسمعهم عبر التعليق الإذاعي ولأننا نعشق كرة القدم ونمارسها بدأنا التركيز على اللاعبين والنقاش حول التصرف بالكرة والتمرير وتجاوز الخصم والتسديد. عدنا من الملعب لتبدأ حكاية أخرى أمام أبناء الحارة وفي المدرسة عن الحدث الذي شعرنا معه وكأننا دخلنا التأريخ. أما ثاني مباراة حضرتها فكانت في دوري 1387هـ 1967م للمنطقة الوسطى في نفس الملعب وفي الدرجة الثانية المواجهة للمنصة وفاز فيها النصر على الهلال 2ـ1 وكانت حلما آخر بمشاهدة نجوم الفريقين آنذاك الذين كانوا يشكلون أعمدة المنتخب. وعودة للمباراة الأولى فقد كانت سمة كل من يحضر مباراة الحديث حولها والتساؤلات متى دخلت الملعب؟.. وهل شاهدت نزول الريقين؟.. وهل شاهدت وايت الماء وهويرش الملعب؟.. وهل شاهدت العمال وهم يخططون الملعب بالجص (الإسمنت الأبيض)؟.. كان الفريق إذا نزل الملعب اتجه لدائرة المنتصف ويقف صفاً واحداً رافعين أيديهم لتحية جماهير الدرجة الأولى ثم يديرون أنفسهم في مواجهة الدرجة الثانية لتحيتهم ثم تبدأ عملية الإحماء أما الهلال فقد اشتهر بتحية خاصة، حيث ينزل الفريق وعند الدائرة ينقسم نصفين يسير كل في اتجاه ثم يلتقيان مشكلين دائرة وجوههم باتجاه الجماهير وظهورهم إلى الداخل رافعين أيديهم المتشابكة لتحية الجماهير في الجهات الأربع من الملعب. أما وايت الماء فتلك حكاية أخرى، حيث يدخل من البوابة الجنوبية لملعب الصايغ ليذرع الملعب جيئة وذهاباً من الجنوب للشمال والعكس وبسرعة شبه جنونية وقيادة احترافية لرش أرضيته الترابية والدوران من خلف المرمى حتى لا تتحول إلى طين خاصة منطقة المرمى الذي يتكون من الخشب المربع ولهذا اشتهرت عبارة (بين الخشبات الثلاث) وكان اللاعبون يجلسون في الملعب بين الشوطين حيث لا توجد غرف للاعبين وتلك متعة أخرى لمشاهدتهم خاصة عندما يأكلون البرتقال الذي تمر علينا الأسابيع وربما الشهور لا نتذوق طعمه. كل شيء تغيّر وتطوّر في الملاعب إلا التذاكر. والله من وراء القصد،،،