قبل أكثرمن ثلاثين عاما وقبل ذلك بسنوات، كان الصحفي يتعب كثيرا، لا أعني في الحصول على المعلومة ولكن في الانتساب إلى الصحافة والعمل فيها، إذ لابد من ممارسة العمل الميداني فترة حتى يجد اسمه على خبرصحفي ثم يتدرج الاسم في حجمه ووضعيته، ولذلك كنا نستطيع معرفة تأريخ الصحفي وخبرته وصفته من طريقة وضع اسمه على الخبرأوفي الصفحة، وقد يتحول إلى كاتب أوقيادي بعد فترة أو يظل مراسلا ميدانيا حسب إمكاناته وما يتناسب مع قدراته دون أن يقلل ذلك من مكانته الصحفية.
جميع الصحافيين الذين برزوا أوعاشوا تلك الفترة لم يدرسوا الإعلام كتخصص وإنما بالهواية والخبرة والتعلم الذاتي والثقافة العامة التي تساعد على النجاح في هذه المهنة لأنها هي الأساس.
والحال ينطبق على الزملاء في الإذاعة والتلفزيون وما يخضعون له من تدريب شاق ودورات وتدرج في العمل الإذاعي أوالتلفزيوني.
ليس الحديث عن تلك الفترة لكنها مقدمة لحديث آخرعن صحافة اليوم أوالإعلام بصورة عامة، وكيف أصبح الوصول لرئاسة تحريرصحيفة لايتطلب الحد الأدنى من المؤهلات أكثرمن الحصول على ترخيص من الجهات المسؤولة لإصدارصحيفة إلكترونية أوترخيص خارجي وإذن بدخول المطبوعة! وكيف أن الظهورالإعلامي عبرالقنوات والتنظيروطرح الحلول وتقييم الأعمال والأشخاص لايتطلب أكثرمن العلاقات الشخصية.
ورغم أن الكثيرمن إعلاميي اليوم درسوا المهنة كتخصص على كراسي الجامعة، إلا أن بعضهم ترك نظريات الإعلام وأسسه وتحول إلى الاجتهاد الشخصي.
من النادرجدا أن تجد مذيعا ميدانيا يتحدث على الهواء بضع دقائق وليس عشرا أوعشرين، ويأسرك بحديثه ويجبرك على متابعته عندما يواجه موقفا محرجا يجبره على ذلك مثل توقف مباراة أوأحداث شغب أوغيرها كما حصل في استقبال منتخب الأرجنتين على سبيل المثال.
أو مذيعا لايتحدث كثيرا، أويضع مقدمة تأخذ وقت البرنامج أوسؤالا يفصل فيه ويجيب ويطرح رأيه ثم يطلب من الضيف الحديث.
أو آخرلايجيد إدارة الحوارولا أسسه ومع ذلك يتولى برامج حوارية تخرج كثيرا عن النص.
بعض الصحافيين، وأتحدث هنا بلغة عامة عن المقروءة والمسموعة والمرئية لايجيد طرح الأسئلة على الضيف أوعلى مدرب الفريق.
وبعضهم يتحول من مذيع إلى متحدث ويطرح رأيا أو فكرا يناقض من خلاله فكرالضيف ويحاول تمريره أوإقصاءه.
المشكلة هنا في رأيي تكمن في ناحيتين:
ــ إن القنوات الإعلامية بمختلف وسائلها لاتسعى إلى تطويرقدرات العاملين لديها عبر ورش العمل أوالدورات التأهيلية، حتى أصبح البعض يرى أنه فوق مستوى هذه الدورات بحكم سنوات الخبرة، وهي سنوات لاتكفي مهما بلغت إذا كانت مبنية على اجتهادات وأخطاء متراكمة.
ــ الإعلامي نفسه وعدم سعيه لتطويرقدراته من خلال التثقيف الذاتي بالاطلاع والقراءة والدورات التدريبية أيضا بما يسهم في رفع مستوى أدائه المهني وتعامله مع المواقف.
وباستثناء العديد من الكفاءات والقدرات الإعلامية المؤهلة التي يفخربها الإعلام ونفاخربها كإعلاميين، فقد أصبح الدخول إلى الإعلام سهلا خاصة بالنسبة للمتعاونين وهم الغالبية، إذ لايتطلب مؤهلات أكاديمية أكثرمما يتطلب الجرأة وحب الذات أوالحضورلدى البعض وربما العلاقات الشخصية، لذلك أصبحت مجالا خصبا للباحثين عن الذات أكثرمن كونها هواية ورغبة في العمل.
والله من وراء القصد.