بداية وقبل الدخول في الموضوع الرئيس لابد من التأكيد على نقطتين هامتين:
أولاهما:
إن فكرة الموضوع ليست وليدة مباراة النصر والهلال الأخيرة مساء الخميس الماضي في نصف نهائي كأس ولي العهد.. وما صاحبها من أحداث، وبالتالي فلا علاقة للموضوع بهذه الأحداث وما صدر أو سيصدر حولها من قرارات.. وتصعيد بين الطرفين، لكن هذه المباراة جاءت لتؤكد على أهميته.
الثانية:
إننا على ثقة في الأمير نواف بن فيصل بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب رئيس اتحاد كرة القدم وحنكته باحتواء الموقف ومعالجته وتهدئة الأمور.. بما يحفظ للرياضة قدسيتها وقيمتها كوسيلة تهذيب وارتقاء بالنفس الإنسانية إلى مرتبة الأخوة والتنافس الشريف. لذلك سأتجاوز هاتين النقطتين إلى الفكرة الأساسية للموضوع.
قبل 45 عاما..
حضرت أول مباراة رسمية وهي الثانية في حياتي (الأولى كانت ودية)، كان طرفا هذه المباراة الرسمية الهلال والنصر ضمن دوري أندية المنطقة الوسطى على ملعب الصايغ بالرياض وانتهت بفوز النصر 2ـ1 كنت وقتها لم أتجاوز مرحلة الطفولة بعد.
ومنذ ذلك التاريخ وأنا أتابع لقاءات الفريقين وغيرهما.. حاضرا في الملعب أو قارئا للصحف.. أو مستمعا عبر الإذاعة أومشاهدا عبرالتلفزيون.. ثم إعلاميا يرقب الموقف عن كثب منذ 35 عاما.. وحتى الآن، في تلك الفترة كان النصر يمثل العقدة بالنسبة للهلال.. ودائما ما ينتصر حتى في أحلك الظروف، وفي عام واحد أتذكر أن النصر كسب الهلال في ثلاث مباريات بأربعة أهداف مقابل هدف أو هدفين.
وعندما بدأ الدوري الممتاز على مستوى المملكة في موسم 1396 ـ 1397هـ الموافق 1976ـ1977م.. بدأ الهلال ينافس النصر ويتفوق عليه.. لأسباب لامجال لذكرها لكن من أبرزها تعدد المباريات وكثرتها ودخول أطراف أخرى منافسة بعد تعميم الدوري، وفي السنوات الأخيرة مالت الكفة كثيرا لصالح الهلال.
وبصورة عامة..
يجب أن لاننظر وأن لاتنظر الأندية للمنافسات الثنائية على أنها مقياس النجاح والتفوق، فالنجاح يقاس بالمحصلة النهائية.
وعودة إلى الزمن الجميل
فقد كنا نترقب مباريات الهلال والنصر هنا في المنطقة الوسطى.. كما كانوا يترقبون الأهلي والاتحاد في الغربية.. والاتفاق والنهضة في الشرقية.. كمباريات لها طعم خاص ومذاق خاص..
وتحفل بالندية والإثارة، كانت المباريات تقام أيام الجمعة فقط (كان يوم الإجازة الوحيد)، وكانت الفرق تتدرب أيام السبت والإثنين والأربعاء ثم تدخل المعسكر وترتاح يوم الخميس استعدادا للمباراة، وفي مباريات الديربي تحرص الجماهير على حضور التمرين الرسمي (الأربعاء) والتنقل بين ملعب فريقها وملعب الخصم (ملاعب ترابية مفتوحة).. للاطمئنان على فريقها والتعرف على معنوياته ومعنويات الخصم.. وتبادل الآراء والتحليلات قبل المباراة وبعدها.
وكانت المقاهي الشعبية تمثل استوديوهات التحليل.. أذكر في إحدى مباريات النصر والهلال وفي التمرين الرسمي أن مهاجم النصر محمد سعد العبدلي وهو أحد أخطر مهاجمي المملكة ويمثل مصدر إزعاج للهلاليين.. لم يشارك في التمرين، حيث تم وضع رجله كاملة في الجبس وجلس إلى جانب الأمير عبدالرحمن بن سعود (رحمه الله) يتابع التمرين، وتباشر الهلاليون بعدم مشاركته.. وأثناء المباراة فوجيء الجميع بمحمد سعد يتقدم لاعبي النصر ويقودهم للفوز على الهلال.
وتبين فيما بعد أن هذه خدعة..وإحدى (حبكات) الأمير عبدالرحمن، وفي مباراة أخرى أوقفت إدارة النصر برئاسة الأمير عبدالرحمن المهاجم أحمد الدنيني (رحمه الله).. وعثمان بخيت (مدافع) وهما من أعمدة الفريق وأعمدة المنتخب.. لسلوك إداري قبل لقاء الفريقين، وفي المباراة تم تقديم ناصر الجوهر من مركزه (ظهير أيمن) ليلعب رأس حربة وفاز النصر بأربعة أهداف سجل منها ناصر ثلاثة.. واستمرت لقاءات الفريقين
وخسر الهلال لاعبه وأحد أخطر مهاجمي المملكة آنذاك عبدالله بن عمرفي سن مبكرة بإصابة متعمدة في الركبة من حارس النصر مبروك التركي (رحمه الله).. وبضربة جزاء وطرد لم تحتسب، ثم خسر أيضا النتيجة.. وكانت آخرمباراة لعبها ابن عمر.
وفي أول موسم للدوري الممتاز..
تعادل الهلال مع النصر 3ـ3 في مباراة أدارها عبدالرحمن الدهام وسجل هذف التعادل بشير الغول (رحمه الله) في الدقيقة 5 من الوقت بدل الضائع أو بعدها، وكانت انطلاقة الهلال لبطولة أول دوري على مستوى المملكة.
وفي موسم 1979 فاز الهلال بهدف سجله ريفيلينو في مباراة أدارها فهد الدهمش (رحمه الله) يرى النصراويون أنها كانت في الأساس خطأ على ريفيلينو.
وفاز النصر في مباراة أخرى بهدف سجله ماجد عبدالله من خطأ احتسب على عبدالرحمن التخيفي.. وكان في الأساس لصالحه مع محيسن الجمعان، وفاز الهلال في نهائي كأس الملك بنتيجة حاسمة 3ـ0 وهي الثلاثية الشهيرة في ملعب جدة حيث سجلها مدافعون ثلاثة.
ثم فاز النصر في النهائي الشهير الذي أداره إبراهيم العمر عام 1415ـ1995 ويرى الهلاليون إنهم ظلموا في هذه المباراة ولازالوا يتحدثون عنها.
وهناك الكثير من المباريات انتهت بالفوز أو التعادل بعضها لم يخل من أخطاء تحكيمية أثرت على نتيجة المباراة.. وبعضها على مسارها.. أو مسار البطولة.. ومنها ما اعترف به بعض الحكام بعد اعتزالهم..
حدث هذا كله مما شاهدناه
وحدث غيره مما لم نشاهده..
ومع ذلك..
كانت مباريات الفريقين تتسم بالندية والروح الرياضية العالية..
كان الفريقان يغادران الملعب بنفس الروح التي دخلا بها..
مصافحة وعناق.. وتمنيات بالتوفيق قبل المباراة
ومصافحة وعناق.. وتهان بعد المباراة..
كان أي حكم يتمنى أن يدير مباريات الهلال والنصر، لأن اللاعبين يعينونه على النجاح.. حيث يتفرغون للأداء الجميل والممتع والبحث عن الفوز، كانوا كبارا بفكرهم وثقافتهم وعطائهم ونظرتهم لمعنى التنافس الشريف، قد أكون أطلت في الحديث لكنه حديث كان لابد منه.. ليدرك الجيل الحالي من إداريين.. ولاعبين.. وجماهير.. وإعلام.. ممن لم يعايشوا تلك الحقبة كيف كانت تلك الفترة؟
وكيف كان التنافس بين الناديين؟
كانت التصاريح التي تسبق المباراة من الطرفين تشير إلى أهمية المباراة.. لكنها في الوقت ذاته لاتعدو كونها مباراة دورية في نظرهم مثلها مثل أي مباراة أخرى.. رغم أن الجميع يدرك الشعور الداخلي والرغبة في الفوز كحق مشروع وعدم الرضا بالخسارة من الفريق الآخر، كانت التصاريح تهدف إلى التهدئة والتخفيف من التوتر وردة الفعل، يعينها على ذلك إعلام متزن ومتعقل.. أوعلى الأقل محدود في صفحات مقروءة تعد على الأصابع وإعلام مرئي محدود بقناة أو قناتين.
الآن .. وللأسف تغير الوضع..
التصريحات التي تسبق المباريات تهديد ووعيد وتقليل من شأن الآخر.. ومايعقبها أكبر، والإعلام بفضائه المفتوح.. وتعدد قنواته أتاح الفرصة لمن شاء أن يتحدث عما يشاء كيف شاء.. ومتى شاء؟
ازداد الفهم لدى المتابع وتنوعت مصادر المعلومة.. وتعددت القنوات، وبدلا من أن يصاحب ذلك نمو طردي في الوعي لدى المتلقي كنتيجة طبيعية.. فقد كان له أثره السلبي.. وللأسف
.. على هذا الوعي، وانعكس ذلك بالتالي على أداء اللاعبين ومستوى المباراة.
كلنا يتذكر الأمير عبدالرحمن بن سعود (يرحمه الله) وتصريحاته في مثل هذه المناسبات التي كانت ملح المباريات.. وتضيف لها نكهة خاصة.
ورغم حدة هذه التصريحات في بعض الأحيان وتناوله الحكام.. وتعصبه الشديد لناديه وهو أمر مفروغ منه ومن حقه ذلك.. ومن حقه الدفاع عن ناديه وحقوقه المشروعة.. إذ لا اعتراض على ذلك.. أقول رغم هذا كله..
إلا أن المتابعين لتاريخ النصر يدركون أن هذا الفريق كان يمثل قمة المثالية والخلق الرفيع داخل الملعب.. وكان مضرب المثل طوال رئاسة الأمير عبدالرحمن له.. ولم نتذكر طوال تلك الفترة أن خرج لاعب نصراوي عن النص داخل الملعب.. أو خارجه.. أو تجاوز الخطوط الحمراء.. حتى لو تعرض للطرد أثناء المباراة.. سعد وناصر الجوهر.. أحمد الدنيني.. عثمان بخيت.. سعود أبوحيدر..محمد سعد العبدلي.. ميزر أمان.. بن صليح.. عيد الصغير.. ثمة خالد التركي.. توفيق المقرن.. سالم مروان.. يوسف خميس.. ماجد عبدالله.. محيسن الجمعان.. صالح المطلق.. علي كميخ.. محمد سعد بخيت.. فهد الهريفي.. وغيرهم ممن لاتحضرني أسماؤهم رحم الله الأموات منهم وأبقى الأحياء على طاعته.. وشفى سالم مروان وعافاه.. نجوم فرضت أسماءها واسم النصر.. وفرضت احترامها واحترامه على الجميع.. بعطائها الفني ومستواها الخلقي.. أذكرها بكل فخر واعتز بها كنجوم.. وكشاهد عصر عليها وعلى حضورها.. ويفخر بها كل منتم للنصر وكل منصف للتاريخ. دعوني أطرح سؤالا هاما أكثر المؤهلين للإجابة عليه هم الذين عاصروا النصر على مدى تأريخه.. وقرأوا هذا التاريخ جيدا ووعوه.. هل النصر في المواسم الأخيرة هو نصر الزمن الجميل؟ لماذا ابتعد عن المنافسة؟
ولماذا هذا الشحن الزائد قبل بعض المباريات لبعض لاعبيه؟
وهل الخروج عن النص أومحاولة الخروج.. وهو سؤال موجه لكل لاعب أيا كان انتماؤه وأيا كان ناديه.. هو دليل الإخلاص وعلامة الوفاء؟
بصراحة مخلص
ووضوح محب..
فقد جاء للنصرفي السنوات الأخيرة عناصر لاترتقي إلى مستواه ككيان وتأريخ.. أخذت منه أكثر مما أعطته.. وكان لها تأثيرها السلبي على أدائه كمنظومة، لا اعتراض على استقطاب النجوم والخبرات.. فكل الأندية تعمد لذلك.. ونحن في زمن الاحتراف وهذا حق مشروع.. لكن استقطاب الخبرات في أي مجال كان مرهوناً بمدى الاستفادة من هذه الخبرات.. وأن لاتكون هذه العناصر نغمة نشاز في لحن شجي أوذات تأثير سلبي على الفريق بذاته.. أو في علاقته بالآخر.
لا تقولوا:
(فعل ورد فعل)
بل إننا يجب أن لانجعل مثل هذه المقولة مبررا لبعض التصرفات والمواقف.. مهما كانت حقيقتها..
ومرة أخرى..
فإن المتابعين لتاريخ الفريقين يتذكرون ويدركون ماكان يدور بين كرداش وسلطان بن مناحي.. وبين ريفيلينو وبن دحم.. وبين الثنيان وحسن حمران.. وبين ماجد والنعيمة.. لكن أيا من هذا لم يتم تصنيفه ضمن قاعدة الفعل ورد الفعل، ولم يؤثر على سير المباراة ولاعلى علاقات اللاعبين.. ولم يمنع تبادل التحايا والتهاني بعد المباراة، لأن النفوس كانت كبارا، ولأن الوعي كان حاضرا، وثقافة المنافسة موجودة.
الدوري ــ سادتي الكرام ــ
26 مباراة.. (لكل فريق) ونقاطه 78 نقطة.. بمعنى أن الفوز على فريق واحد يعادل 4% وهي نسبة ضئيلة جدا في المجموع العام لاتكاد تذكر.
ومن هنا..
فإن سؤالا عقلانيا يبرز في هذه اللحظة..
أيهما أفضل التفكير في 6 نقاط وفي منافس واحد.. أم التفكير في 72 نقطة و13 منافسا؟
إن التفكير في منافس واحد وتتبع عثراته والعزف عليها.. ومحاواة التقليل من قيمته وإنجازاته من شأنه أن يصرف أنظار المتتبع عن البحث عن مناطق تفوق أخرى.. ويقتل الطموح في أفراده.. ويحد من آمالهم.. بحصرها في نطاق محدود،
أما التفكير الشمولي.. فمن شأنه أن يصنع التفوق العام.. وقد يؤدي للتفوق الثنائي والتنافسي.. الأندية الكبيرة.. والأندية المتفوقة.. والأندية التي صنعت لنفسها النجاح.. والحضور القوي الخالد على مر الزمن.
هذه الأندية..
هي التي بحثت وتبحث عن التفوق الشمولي بعيدا عن المنافسات الثنائية.. لأنها تدرك أيهما يؤدي للآخر.
لا أحد يتذكر أو يهتم بالفوز في مباراة ما على فريق ما.. حتى وإن كان منافسا، وإن تذكرها فهي نوع من التأريخ الذي تطويه الصفحات، أما البطولات ومنصات التتويج فهي النجاح الحقيقي.. وهي التي يتذكرها الجميع ويخلدها التاريخ على صفحاته بمداد من ذهب.
يعلم الله
إنني لا أعني ناديا بعينه..
ولا أغمز بطرف على ناد آخر...
بقدر ما أتحدث بصورة عامة ولكل الأندية عما يجب أن تكون عليه أنديتنا ونظرتها لمعنى المنافسة.. وما يجب أن تكون عليه.
والمسؤولية تقع على إدارات الأندية بتوعية لاعبيها وجماهيرها.. وعلى الإعلام ثانيا بتحمل مسؤوليته.
نعم..
من حق الإعلام تسويق بضاعته، لكن للتسويق أساليبه وطرقه التي لاتخرج به عن هدفه الأسمى.
سادتي الكرام..
أعيدونا إلى الزمن الجميل.. فرياضتنا أصبحت اليوم تحت المجهر داخليا وخارجيا.. والضوء يأتيها من كل مكان.. فاجعلوها تسر الناظرين..والله من وراء القصد.
أولاهما:
إن فكرة الموضوع ليست وليدة مباراة النصر والهلال الأخيرة مساء الخميس الماضي في نصف نهائي كأس ولي العهد.. وما صاحبها من أحداث، وبالتالي فلا علاقة للموضوع بهذه الأحداث وما صدر أو سيصدر حولها من قرارات.. وتصعيد بين الطرفين، لكن هذه المباراة جاءت لتؤكد على أهميته.
الثانية:
إننا على ثقة في الأمير نواف بن فيصل بن فهد الرئيس العام لرعاية الشباب رئيس اتحاد كرة القدم وحنكته باحتواء الموقف ومعالجته وتهدئة الأمور.. بما يحفظ للرياضة قدسيتها وقيمتها كوسيلة تهذيب وارتقاء بالنفس الإنسانية إلى مرتبة الأخوة والتنافس الشريف. لذلك سأتجاوز هاتين النقطتين إلى الفكرة الأساسية للموضوع.
قبل 45 عاما..
حضرت أول مباراة رسمية وهي الثانية في حياتي (الأولى كانت ودية)، كان طرفا هذه المباراة الرسمية الهلال والنصر ضمن دوري أندية المنطقة الوسطى على ملعب الصايغ بالرياض وانتهت بفوز النصر 2ـ1 كنت وقتها لم أتجاوز مرحلة الطفولة بعد.
ومنذ ذلك التاريخ وأنا أتابع لقاءات الفريقين وغيرهما.. حاضرا في الملعب أو قارئا للصحف.. أو مستمعا عبر الإذاعة أومشاهدا عبرالتلفزيون.. ثم إعلاميا يرقب الموقف عن كثب منذ 35 عاما.. وحتى الآن، في تلك الفترة كان النصر يمثل العقدة بالنسبة للهلال.. ودائما ما ينتصر حتى في أحلك الظروف، وفي عام واحد أتذكر أن النصر كسب الهلال في ثلاث مباريات بأربعة أهداف مقابل هدف أو هدفين.
وعندما بدأ الدوري الممتاز على مستوى المملكة في موسم 1396 ـ 1397هـ الموافق 1976ـ1977م.. بدأ الهلال ينافس النصر ويتفوق عليه.. لأسباب لامجال لذكرها لكن من أبرزها تعدد المباريات وكثرتها ودخول أطراف أخرى منافسة بعد تعميم الدوري، وفي السنوات الأخيرة مالت الكفة كثيرا لصالح الهلال.
وبصورة عامة..
يجب أن لاننظر وأن لاتنظر الأندية للمنافسات الثنائية على أنها مقياس النجاح والتفوق، فالنجاح يقاس بالمحصلة النهائية.
وعودة إلى الزمن الجميل
فقد كنا نترقب مباريات الهلال والنصر هنا في المنطقة الوسطى.. كما كانوا يترقبون الأهلي والاتحاد في الغربية.. والاتفاق والنهضة في الشرقية.. كمباريات لها طعم خاص ومذاق خاص..
وتحفل بالندية والإثارة، كانت المباريات تقام أيام الجمعة فقط (كان يوم الإجازة الوحيد)، وكانت الفرق تتدرب أيام السبت والإثنين والأربعاء ثم تدخل المعسكر وترتاح يوم الخميس استعدادا للمباراة، وفي مباريات الديربي تحرص الجماهير على حضور التمرين الرسمي (الأربعاء) والتنقل بين ملعب فريقها وملعب الخصم (ملاعب ترابية مفتوحة).. للاطمئنان على فريقها والتعرف على معنوياته ومعنويات الخصم.. وتبادل الآراء والتحليلات قبل المباراة وبعدها.
وكانت المقاهي الشعبية تمثل استوديوهات التحليل.. أذكر في إحدى مباريات النصر والهلال وفي التمرين الرسمي أن مهاجم النصر محمد سعد العبدلي وهو أحد أخطر مهاجمي المملكة ويمثل مصدر إزعاج للهلاليين.. لم يشارك في التمرين، حيث تم وضع رجله كاملة في الجبس وجلس إلى جانب الأمير عبدالرحمن بن سعود (رحمه الله) يتابع التمرين، وتباشر الهلاليون بعدم مشاركته.. وأثناء المباراة فوجيء الجميع بمحمد سعد يتقدم لاعبي النصر ويقودهم للفوز على الهلال.
وتبين فيما بعد أن هذه خدعة..وإحدى (حبكات) الأمير عبدالرحمن، وفي مباراة أخرى أوقفت إدارة النصر برئاسة الأمير عبدالرحمن المهاجم أحمد الدنيني (رحمه الله).. وعثمان بخيت (مدافع) وهما من أعمدة الفريق وأعمدة المنتخب.. لسلوك إداري قبل لقاء الفريقين، وفي المباراة تم تقديم ناصر الجوهر من مركزه (ظهير أيمن) ليلعب رأس حربة وفاز النصر بأربعة أهداف سجل منها ناصر ثلاثة.. واستمرت لقاءات الفريقين
وخسر الهلال لاعبه وأحد أخطر مهاجمي المملكة آنذاك عبدالله بن عمرفي سن مبكرة بإصابة متعمدة في الركبة من حارس النصر مبروك التركي (رحمه الله).. وبضربة جزاء وطرد لم تحتسب، ثم خسر أيضا النتيجة.. وكانت آخرمباراة لعبها ابن عمر.
وفي أول موسم للدوري الممتاز..
تعادل الهلال مع النصر 3ـ3 في مباراة أدارها عبدالرحمن الدهام وسجل هذف التعادل بشير الغول (رحمه الله) في الدقيقة 5 من الوقت بدل الضائع أو بعدها، وكانت انطلاقة الهلال لبطولة أول دوري على مستوى المملكة.
وفي موسم 1979 فاز الهلال بهدف سجله ريفيلينو في مباراة أدارها فهد الدهمش (رحمه الله) يرى النصراويون أنها كانت في الأساس خطأ على ريفيلينو.
وفاز النصر في مباراة أخرى بهدف سجله ماجد عبدالله من خطأ احتسب على عبدالرحمن التخيفي.. وكان في الأساس لصالحه مع محيسن الجمعان، وفاز الهلال في نهائي كأس الملك بنتيجة حاسمة 3ـ0 وهي الثلاثية الشهيرة في ملعب جدة حيث سجلها مدافعون ثلاثة.
ثم فاز النصر في النهائي الشهير الذي أداره إبراهيم العمر عام 1415ـ1995 ويرى الهلاليون إنهم ظلموا في هذه المباراة ولازالوا يتحدثون عنها.
وهناك الكثير من المباريات انتهت بالفوز أو التعادل بعضها لم يخل من أخطاء تحكيمية أثرت على نتيجة المباراة.. وبعضها على مسارها.. أو مسار البطولة.. ومنها ما اعترف به بعض الحكام بعد اعتزالهم..
حدث هذا كله مما شاهدناه
وحدث غيره مما لم نشاهده..
ومع ذلك..
كانت مباريات الفريقين تتسم بالندية والروح الرياضية العالية..
كان الفريقان يغادران الملعب بنفس الروح التي دخلا بها..
مصافحة وعناق.. وتمنيات بالتوفيق قبل المباراة
ومصافحة وعناق.. وتهان بعد المباراة..
كان أي حكم يتمنى أن يدير مباريات الهلال والنصر، لأن اللاعبين يعينونه على النجاح.. حيث يتفرغون للأداء الجميل والممتع والبحث عن الفوز، كانوا كبارا بفكرهم وثقافتهم وعطائهم ونظرتهم لمعنى التنافس الشريف، قد أكون أطلت في الحديث لكنه حديث كان لابد منه.. ليدرك الجيل الحالي من إداريين.. ولاعبين.. وجماهير.. وإعلام.. ممن لم يعايشوا تلك الحقبة كيف كانت تلك الفترة؟
وكيف كان التنافس بين الناديين؟
كانت التصاريح التي تسبق المباراة من الطرفين تشير إلى أهمية المباراة.. لكنها في الوقت ذاته لاتعدو كونها مباراة دورية في نظرهم مثلها مثل أي مباراة أخرى.. رغم أن الجميع يدرك الشعور الداخلي والرغبة في الفوز كحق مشروع وعدم الرضا بالخسارة من الفريق الآخر، كانت التصاريح تهدف إلى التهدئة والتخفيف من التوتر وردة الفعل، يعينها على ذلك إعلام متزن ومتعقل.. أوعلى الأقل محدود في صفحات مقروءة تعد على الأصابع وإعلام مرئي محدود بقناة أو قناتين.
الآن .. وللأسف تغير الوضع..
التصريحات التي تسبق المباريات تهديد ووعيد وتقليل من شأن الآخر.. ومايعقبها أكبر، والإعلام بفضائه المفتوح.. وتعدد قنواته أتاح الفرصة لمن شاء أن يتحدث عما يشاء كيف شاء.. ومتى شاء؟
ازداد الفهم لدى المتابع وتنوعت مصادر المعلومة.. وتعددت القنوات، وبدلا من أن يصاحب ذلك نمو طردي في الوعي لدى المتلقي كنتيجة طبيعية.. فقد كان له أثره السلبي.. وللأسف
.. على هذا الوعي، وانعكس ذلك بالتالي على أداء اللاعبين ومستوى المباراة.
كلنا يتذكر الأمير عبدالرحمن بن سعود (يرحمه الله) وتصريحاته في مثل هذه المناسبات التي كانت ملح المباريات.. وتضيف لها نكهة خاصة.
ورغم حدة هذه التصريحات في بعض الأحيان وتناوله الحكام.. وتعصبه الشديد لناديه وهو أمر مفروغ منه ومن حقه ذلك.. ومن حقه الدفاع عن ناديه وحقوقه المشروعة.. إذ لا اعتراض على ذلك.. أقول رغم هذا كله..
إلا أن المتابعين لتاريخ النصر يدركون أن هذا الفريق كان يمثل قمة المثالية والخلق الرفيع داخل الملعب.. وكان مضرب المثل طوال رئاسة الأمير عبدالرحمن له.. ولم نتذكر طوال تلك الفترة أن خرج لاعب نصراوي عن النص داخل الملعب.. أو خارجه.. أو تجاوز الخطوط الحمراء.. حتى لو تعرض للطرد أثناء المباراة.. سعد وناصر الجوهر.. أحمد الدنيني.. عثمان بخيت.. سعود أبوحيدر..محمد سعد العبدلي.. ميزر أمان.. بن صليح.. عيد الصغير.. ثمة خالد التركي.. توفيق المقرن.. سالم مروان.. يوسف خميس.. ماجد عبدالله.. محيسن الجمعان.. صالح المطلق.. علي كميخ.. محمد سعد بخيت.. فهد الهريفي.. وغيرهم ممن لاتحضرني أسماؤهم رحم الله الأموات منهم وأبقى الأحياء على طاعته.. وشفى سالم مروان وعافاه.. نجوم فرضت أسماءها واسم النصر.. وفرضت احترامها واحترامه على الجميع.. بعطائها الفني ومستواها الخلقي.. أذكرها بكل فخر واعتز بها كنجوم.. وكشاهد عصر عليها وعلى حضورها.. ويفخر بها كل منتم للنصر وكل منصف للتاريخ. دعوني أطرح سؤالا هاما أكثر المؤهلين للإجابة عليه هم الذين عاصروا النصر على مدى تأريخه.. وقرأوا هذا التاريخ جيدا ووعوه.. هل النصر في المواسم الأخيرة هو نصر الزمن الجميل؟ لماذا ابتعد عن المنافسة؟
ولماذا هذا الشحن الزائد قبل بعض المباريات لبعض لاعبيه؟
وهل الخروج عن النص أومحاولة الخروج.. وهو سؤال موجه لكل لاعب أيا كان انتماؤه وأيا كان ناديه.. هو دليل الإخلاص وعلامة الوفاء؟
بصراحة مخلص
ووضوح محب..
فقد جاء للنصرفي السنوات الأخيرة عناصر لاترتقي إلى مستواه ككيان وتأريخ.. أخذت منه أكثر مما أعطته.. وكان لها تأثيرها السلبي على أدائه كمنظومة، لا اعتراض على استقطاب النجوم والخبرات.. فكل الأندية تعمد لذلك.. ونحن في زمن الاحتراف وهذا حق مشروع.. لكن استقطاب الخبرات في أي مجال كان مرهوناً بمدى الاستفادة من هذه الخبرات.. وأن لاتكون هذه العناصر نغمة نشاز في لحن شجي أوذات تأثير سلبي على الفريق بذاته.. أو في علاقته بالآخر.
لا تقولوا:
(فعل ورد فعل)
بل إننا يجب أن لانجعل مثل هذه المقولة مبررا لبعض التصرفات والمواقف.. مهما كانت حقيقتها..
ومرة أخرى..
فإن المتابعين لتاريخ الفريقين يتذكرون ويدركون ماكان يدور بين كرداش وسلطان بن مناحي.. وبين ريفيلينو وبن دحم.. وبين الثنيان وحسن حمران.. وبين ماجد والنعيمة.. لكن أيا من هذا لم يتم تصنيفه ضمن قاعدة الفعل ورد الفعل، ولم يؤثر على سير المباراة ولاعلى علاقات اللاعبين.. ولم يمنع تبادل التحايا والتهاني بعد المباراة، لأن النفوس كانت كبارا، ولأن الوعي كان حاضرا، وثقافة المنافسة موجودة.
الدوري ــ سادتي الكرام ــ
26 مباراة.. (لكل فريق) ونقاطه 78 نقطة.. بمعنى أن الفوز على فريق واحد يعادل 4% وهي نسبة ضئيلة جدا في المجموع العام لاتكاد تذكر.
ومن هنا..
فإن سؤالا عقلانيا يبرز في هذه اللحظة..
أيهما أفضل التفكير في 6 نقاط وفي منافس واحد.. أم التفكير في 72 نقطة و13 منافسا؟
إن التفكير في منافس واحد وتتبع عثراته والعزف عليها.. ومحاواة التقليل من قيمته وإنجازاته من شأنه أن يصرف أنظار المتتبع عن البحث عن مناطق تفوق أخرى.. ويقتل الطموح في أفراده.. ويحد من آمالهم.. بحصرها في نطاق محدود،
أما التفكير الشمولي.. فمن شأنه أن يصنع التفوق العام.. وقد يؤدي للتفوق الثنائي والتنافسي.. الأندية الكبيرة.. والأندية المتفوقة.. والأندية التي صنعت لنفسها النجاح.. والحضور القوي الخالد على مر الزمن.
هذه الأندية..
هي التي بحثت وتبحث عن التفوق الشمولي بعيدا عن المنافسات الثنائية.. لأنها تدرك أيهما يؤدي للآخر.
لا أحد يتذكر أو يهتم بالفوز في مباراة ما على فريق ما.. حتى وإن كان منافسا، وإن تذكرها فهي نوع من التأريخ الذي تطويه الصفحات، أما البطولات ومنصات التتويج فهي النجاح الحقيقي.. وهي التي يتذكرها الجميع ويخلدها التاريخ على صفحاته بمداد من ذهب.
يعلم الله
إنني لا أعني ناديا بعينه..
ولا أغمز بطرف على ناد آخر...
بقدر ما أتحدث بصورة عامة ولكل الأندية عما يجب أن تكون عليه أنديتنا ونظرتها لمعنى المنافسة.. وما يجب أن تكون عليه.
والمسؤولية تقع على إدارات الأندية بتوعية لاعبيها وجماهيرها.. وعلى الإعلام ثانيا بتحمل مسؤوليته.
نعم..
من حق الإعلام تسويق بضاعته، لكن للتسويق أساليبه وطرقه التي لاتخرج به عن هدفه الأسمى.
سادتي الكرام..
أعيدونا إلى الزمن الجميل.. فرياضتنا أصبحت اليوم تحت المجهر داخليا وخارجيا.. والضوء يأتيها من كل مكان.. فاجعلوها تسر الناظرين..والله من وراء القصد.